الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 184 ] واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا

                                                                                                                                                                                                                                      واستفزز أي: استخف. من استطعت منهم أن تستفزه بصوتك بدعائك إلى الفساد، وأجلب عليهم أي: صح عليهم من الجلبة، وهي الصياح. بخيلك ورجلك أي: بأعوانك، وأنصارك من راكب وراجل من أهل العبث والفساد، قال ابن عباس رضي الله عنهما، ومجاهد ، وقتادة : إن له خيلا ورجلا من الجن والإنس، فما كان من راكب يقاتل في معصية الله تعالى فهو من خيل إبليس، وما كان من راجل يقاتل في معصية الله تعالى فهو من رجل إبليس. والخيل الخيالة . ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: " يا خيل الله اركبي "؟. والرجل اسم جمع للراجل، كالصحب والركب. وقرئ: بكسر الجيم، وهي قراءة حفص على أنه فعل بمعنى فاعل، كتعب وتاعب، وبضمة مثل حدث وحدث وندس وندس ونظائرهما، أي: جمعك الراجل ليطابق الخيل، وقرئ: (رجالك) (ورجالك). ويجوز أن يكون استفزازه بصوته، وإجلابه بخيله ورجله تمثيلا لتسلطه على من يغويه فكأنه مغوار أوقع على قوم، فصوت بهم صوتا يزعجهم من أماكنهم، ويقلقهم عن مراكزهم، وأجلب عليهم بجنده من خيالة، ورجالة حتى استأصلهم. وشاركهم في الأموال بحملهم على كسبها وجمعها من الحرام، والتصرف فيها على ما لا ينبغي. والأولاد بالحث على التوصل إليهم بالأسباب المحرمة، والإشراك كتسميتهم بعبد العزى، والتضليل بالحمل على الأديان الزائغة، والحرف الذميمة، والأفعال القبيحة. وعدهم المواعيد الباطلة كشفاعة الآلهة، والاتكال على كرامة الآباء، وتأخير التوبة بتطويل الأمل، وما يعدهم الشيطان إلا غرورا اعتراض لبيان شأن مواعيده. والالتفات إلى الغيبة لتقوية معنى الاعتراض مع ما فيه من صرف الكلام عن خطابه، وبيان شأنه للناس، ومن الإشعار بعلية شيطنته للغرور، وهو تزيين الخطأ بما يوهم أنه صواب.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية