الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب الكفاءة

من : كافأه ; إذا ساواه . والمراد هنا مساواة مخصوصة أو كون المرأة أدنى ( الكفاءة معتبرة ) في ابتداء النكاح للزومه أو لصحته ( من جانبه ) أي الرجل لأن الشريفة تأبى أن تكون فراشا للدنيء ولذا ( لا ) تعتبر ( من جانبها ) لأن [ ص: 85 ] الزوج مستفرش فلا تغيظه دناءة الفراش وهذا عند الكل في الصحيح ، كما في الخبازية لكن في الظهيرية وغيرها هذا عنده وعندهما تعتبر في جانبها أيضا ( و ) الكفاءة ( هي حق الولي لا حقها ) فلو نكحت رجلا ولم تعلم فإذا هو عبد لا خيار لها بل للأولياء ولو زوجوها برضاها ولم يعلموا بعدم الكفاءة ثم علموا لا خيار لأحد إلا إذا [ ص: 86 ] شرطوا الكفاءة أو أخبرهم بها وقت العقد فزوجوها على ذلك ثم ظهر أنه غير كفء كان لهم الخيار ولوالجية فليحفظ .

التالي السابق


باب الكفاءة

لما كانت شرط اللزوم على الولي إذا عقدت المرأة بنفسها حتى كان له الفسخ عند عدمها ، كانت فرع وجود الولي ، وهو بثبوت الولاية فقدم بيان الأولياء ومن تثبت له ثم أعقبه في الكفاءة فتح ( قوله أو كون المرأة أدنى ) اعترضه الخير الرملي بما ملخصه أن كون المرأة أدنى ليس بكفاءة غير أن الكفاءة من جانب المرأة غير معتبرة ( قوله الكفاءة معتبرة ) قالوا معناه معتبرة في اللزوم على الأولياء حتى أن عند عدمها جاز للولي الفسخ . ا هـ . فتح وهذا بناء على ظاهر الرواية من أن العقد صحيح ، وللولي الاعتراض ، أما على رواية الحسن المختارة للفتوى من أنه لا يصح . فالمعنى معتبرة في الصحة . وكذا لو كانت الزوجة صغيرة ، والعاقد غير الأب والجد ، فقد مر أن العقد لا يصح ( قوله في ابتداء النكاح ) يغني عنه قول المصنف الآتي : واعتبارها عند ابتداء العقد إلخ وكأنه أشار إلى أن الأولى ذكره هنا ( قوله للزومه أو لصحته ) الأول بناء على ظاهر الرواية ، والثاني على رواية الحسن وقدمنا أول الباب السابق اختلاف الإفتاء فيهما ، وأن رواية الحسن أحوط ( قوله من جانبه إلخ ) أي يعتبر أن يكون الرجل مكافئا لها في الأوصاف الآتية بأن لا يكون دونها فيها ، ولا تعتبر من جانبها بأن تكون مكافئة له فيها بل يجوز أن تكون دونه فيها ( قوله ولذا لا تعتبر ) تعليل للمفهوم ، وهو أن الشريف لا يأبى أن يكون مستفرشا للدنيئة كالأمة والكتابية لأن ذلك لا يعد عارا في حقه بل في حقها لأن النكاح رق للمرأة والزوج مالك .

[ تنبيه ] تقدم أن غير الأب والجد لو زوج الصغير أو الصغيرة غير كفء لا يصح ، ومقتضاه أن الكفاءة للزوج معتبرة أيضا وقدمنا أن هذا في الزوج الصغير لأن ذلك ضرر عليه فما هنا محمول على الكبير ، ويشير إليه ما قدمناه آنفا عن الفتح من أن معنى اعتبار الكفاءة اعتبارها في اللزوم على الأولياء إلخ .

فإن حاصله : أن المرأة إذا زوجت نفسها من كفء لزم على الأولياء وإن زوجت من غير كفء لا يلزم [ ص: 85 ] أو لا يصح بخلاف جانب الرجل فإنه إذا تزوج بنفسه مكافئة له أو لا فإنه صحيح لازم وقال القهستاني : الكفاءة لغة : المساواة وشرعا : مساواة الرجل للمرأة في الأمور الآتية وفيه إشعار : بأن نكاح الشريف الوضيعة لازم فلا اعتراض للولي بخلاف العكس ا هـ فقد أفاد أن لزومه في جانب الزوج إذا زوج نفسه كبيرا لا إذا زوجه الولي صغيرا ، كما أن الكلام في الزوجة إذا زوجت نفسها كبيرة فثبت اعتبار الكفاءة من الجانبين في الصغيرين عند عدم الأب والجد كما حررناه فيما تقدم والله تعالى أعلم ( قوله لكن في الظهيرية إلخ ) لا وجه للاستدراك بعد ذكره الصحيح فإنه حيث ذكر القولين كان حق التركيب تقديم الضعيف والاستدراك عليه بالصحيح ، كما فعل في البحر وذكر أن ما في الظهيرية غريب ورده أيضا في البدائع كما بسطه في النهر ( قوله هي حق الولي لا حقها ) كذا قال في البحر ، واستشهد له بما ذكره الشارح عن الولوالجية وفيه نظر بل هي حق لها أيضا بدليل أن الولي لو زوج الصغيرة غير كفء لا يصح ، ما لم يكن أبا أو جدا غير ظاهر الفسق ولما في الذخيرة قبيل الفصل السادس ، من أن الحق في إتمام المهر المثل عند أبي حنيفة للمرأة وللأولياء حق الكفاءة وعندهما للمرأة لا غير . ا هـ .

وظاهر قوله كحق الكفاءة الاتفاق على أنه حق لكل منهما وكذا ما في البحر عن الظهيرية ، لو انتسب الزوج لها نسبا غير نسبه ; فإن ظهر دونه وهو ليس بكفء فحق الفسخ ثابت للكل وإن كان كفؤا فحق الفسخ لها دون الأولياء ، وإن كان ما ظهر فوق ما أخبر فلا فسخ لأحد وعن الثاني أن لها الفسخ لأنها عسى تعجز عن المقام معه ا هـ ومن هذا القبيل ما سيذكره الشارح قبيل باب العدة لو تزوجته على أنه حر أو سني أو قادر على المهر والنفقة فبان بخلافه أو على أنه فلان ابن فلان فإذا هو لقيط أو ابن زنا لها الخيار . ا هـ . ويأتي تمام الكلام على ذلك هناك زاد في البدائع على ما مر عن الظهيرية ، وإن فعلت المرأة ذلك فتزوجها ، ثم ظهر بخلاف ما أظهرت فلا خيار للزوج ، سواء تبين أنها حرة أو أمة لأن الكفاءة في جانب النساء غير معتبرة ا هـ وقد يجاب بأن الكلام كما مر فيما إذا زوجت نفسها بلا إذن الولي وحينئذ لم يبق لها حق في الكفاءة لرضاها بإسقاطها فبقي الحق للولي فقط فله الفسخ ( قوله فلو نكحت إلخ ) تفريع على قوله : لا حقها وفيه أن التقصير جاء من قبلها حيث لم تبحث عن حاله كما جاء من قبلها وقبل الأولياء فيما لو زوجوها برضاها ، ولم يعلموا بعدم الكفاءة .

ثم علموا رحمتي وفي كلام الولوالجية ما يفيده كما يأتي قريبا وعلى ما ذكرناه من الجواب فالتفريع صحيح لأن سقوط حقها إذا رضيت ولو من وجه وهنا كذلك ولذا لو شرطت الكفاءة بقي حقها ( قوله لا خيار لأحد ) هذا في الكبيرة كما هو فرض المسألة بدليل قوله : نكحت رجلا

وقوله : برضا فلا يخالف ما قدمناه في الباب المار عن النوازل لو زوج بنته الصغيرة ممن ينكر أنه يشرب المسكر ، فإذا هو مدمن له وقالت بعدما كبرت : لا أرضى بالنكاح إن لم يكن يعرفه الأب بشربه وكان غلبة أهل بيته صالحين فالنكاح باطل لأنه إنما زوج على ظن أنه كفء ا هـ خلافا لما ظنه المقدسي من إثبات المخالفة بينهما كما نبه عليه الخير الرملي ،

قلت : ولعل وجه الفرق أن الأب يصح تزويجه الصغيرة من غير الكفء لمزيد شفقته وأنه إنما فوت الكفاءة لمصلحة تزيد عليها وهذا إنما يصح إذا علمه غير كفء ، أما إذا لم يعلمه فلم يظهر منه أنه زوجها للمصلحة المذكورة [ ص: 86 ] كما إذا كان الأب ماجنا أو سكران ، لكن كان الظاهر أن يقال لا يصح العقد أصلا كما في الأب الماجن والسكران مع أن المصرح به أن لها إبطاله بعد البلوغ وهو فرع صحته فليتأمل ( قوله كان لهم الخيار ) لأنه إذا لم يشترط الكفاءة كان عدم الرضا بعدم الكفاءة من الولي ومنها ثابتا من وجه دون وجه لما ذكرنا أن حال الزوج محتمل بين أن يكون كفؤا وأن لا يكون ، والنص إنما أثبت حق الفسخ بسبب عدم الكفاءة حال عدم الرضا بعدم الكفاءة من كل وجه فلا يثبت حال وجود الرضا بعدم الكفاءة من وجه بحر عن الولوالجية




الخدمات العلمية