الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3181 باب من أقر بالقتل فأسلم إلى الولي فعفا عنه

                                                                                                                              وقال النووي : ( باب صحة الإقرار بالقتل ، وتمكين ولي القتيل من القصاص. واستحباب طلب العفو منه ) .

                                                                                                                              وهو في المنتقى في : (باب ثبوت القصاص بالإقرار ) .

                                                                                                                              (حديث الباب )

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 172 - 173 ج 11 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [ عن سماك بن حرب ، أن علقمة بن وائل حدثه ، أن أباه حدثه قال: إني لقاعد مع النبي صلى الله عليه وسلم، إذ جاء رجل يقود آخر بنسعة، فقال: يا رسول الله! هذا قتل أخي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أقتلته؟ " [ ص: 308 ] (فقال: إنه لو لم يعترف، أقمت عليه البينة ) قال: نعم: قتلته. قال: "كيف قتلته؟" قال: كنت أنا وهو نختبط من شجرة، فسبني فأغضبني، فضربته بالفأس على قرنه فقتلته. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "هل لك من شيء تؤديه عن نفسك؟" قال: ما لي مال، إلا كسائي وفأسي. قال: "فترى قومك يشترونك؟" قال: أنا أهون على قومي من ذاك. فرمى إليه بنسعته، وقال: "دونك صاحبك". فانطلق به الرجل. فلما ولى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن قتله فهو مثله " فرجع، فقال: يا رسول الله! إنه بلغني أنك قلت: " إن قتله فهو مثله " وأخذته بأمرك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما تريد أن يبوء بإثمك وإثم صاحبك؟ " قال: يا نبي الله! لعله قال: " بلى". قال: "فإن ذاك كذاك" قال: فرمى بنسعته، وخلى سبيله .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن علقمة بن وائل ؛ أن أباه ) رضي الله عنه (حدثه ؛ قال : إني لقاعد مع النبي صلى الله عليه وآله (وسلم ، إذ جاء رجل يقود آخر بنسعة (بنون مكسورة ، ثم سين مهملة ساكنة ، ثم عين مهملة. قال النووي : هي حبل من جلود مضفورة.

                                                                                                                              وقال في القاموس : " النسع ، بالكسر ؛ "سير " ينسج عريضا ، [ ص: 309 ] على هيئة أعنة النعال تشد به الرحال. والقطعة منه : "نسعة ". وسمي نسعا لطوله. الجمع : " نسع " بالضم. ونسع بالكسر "كعنب" وأنساع ونسوع. انتهى.

                                                                                                                              (فقال : يا رسول الله ! هذا قتل أخي. فقال رسول الله صلى الله عليه ) وآله (وسلم : " أقتلته ؟ (فقال : إنه لو لم يعترف ، أقمت عليه البينة ) قال : نعم ، قتلته. قال : "كيف قتلته ؟ " قال : كنت أنا وهو نختبط من شجرة ) أي : نجمع " الخبط ". وهو ورق السمر ، بأن يضرب الشجر بالعصا ، فيسقط ورقه فيجمعه علفا.

                                                                                                                              ووقع في نسخة : "نحتطب ". من الاحتطاب.

                                                                                                                              (فسبني فأغضبني ، فضربته بالفأس على قرنه (أي : جانب رأسه (فقتلته ) .

                                                                                                                              وفي هذا الحديث : الإغلاظ على الجناة وربطهم ، وإحضارهم إلى ولي الأمر.

                                                                                                                              وفيه : سؤال المدعى عليه ، عن جواب الدعوى ، فلعله يقر ، فيستغني المدعي والقاضي ، عن التعب في إحضار الشهود ، وتعديلهم.

                                                                                                                              ( [ ص: 310 ] ولأن الحكم بالإقرار : حكم بيقين. وبالبينة : حكم بالظن.

                                                                                                                              (فقال له النبي صلى الله عليه وآله (وسلم : " هل لك من شيء ، تؤديه عن نفسك ؟ " قال : مالي مال ، إلا كسائي ) وفأسي. قال : " فترى قومك يشترونك ؟ قال : أنا أهون على قومي من ذاك. فرمى إليه بنسعته ، وقال : " دونك صاحبك ، فانطلق به الرجل. فلما ولى ) قال رسول الله صلى الله عليه ) وآله (وسلم : " إن قتله فهو مثله " ) .

                                                                                                                              قال النووي : الصحيح في تأويله : أنه مثله في أنه ، لا فضل ولا منة لأحدهما على الآخر. لأنه استوفى حقه منه. بخلاف ما لو عفا عنه ، فإنه كان له الفضل والمنة ، وجزيل ثواب الآخرة ، وجميل الثناء في الدنيا..

                                                                                                                              وقيل : هو مثله ، في أنه قاتل ، وإن اختلفا في التحريم والإباحة ، لكنهما استويا في طاعتهما الغضب ، ومتابعة الهوى. لاسيما وقد طلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم منه العفو. كما في بعض طرق الحديث: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، إنما سأله أن يعفو عنه ، فأبى.

                                                                                                                              وفي هذا الحديث : سؤال الحاكم وغيره الولي عن : العفو عن الجاني. وفيه : جواز العفو ، بعد بلوغ الأمر إلى الحاكم.

                                                                                                                              وفيه : جواز أخذ الدية في قتل العمد.

                                                                                                                              [ ص: 311 ] وفيه : قبول الإقرار بقتل العمد.

                                                                                                                              قال النووي : إنما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما قال بهذا اللفظ ، الذي هو صادق فيه : لإيهام لمقصود صحيح. وهو أن الولي ربما خاف فعفا. والعفو مصلحة للولي والمقتول في ديتهما. لقوله : " يبوء بإثمك.. إلخ ".

                                                                                                                              وفيه : مصلحة للجاني. وهو إنقاذه من القتل.

                                                                                                                              فلما كان العفو مصلحة : توصل إليه بالتعريض. وقد قال الضمري وغيره من العلماء : يستحب للمفتي إذا رأى مصلحة في التعريض للمستفتي : أن يعرض تعريضا يحصل به المقصود. مع أنه صادق فيه.

                                                                                                                              ولما أخاف صلى الله عليه وآله وسلم : ولي المقتول بذلك التعريض ، خاف (فرجع. فقال : إنه بلغني أنك قلت : " إن قتله فهو مثله " وأخذته بأمرك. فقال رسول الله صلى الله عليه ) وآله (وسلم ) ترغيبا له في العفو ، وإرشادا له إلى المصلحة : (أما تريد أن يبوء بإثمك وإثم صاحبك ؟ ) .

                                                                                                                              ومعناه : يتحمل إثم المقتول بإتلافه مهجته ، وإثم الولي لكونه فجعه في أخيه. ويكون قد أوحي إليه صلى الله عليه وآله وسلم بذلك ، في هذا الرجل خاصة.

                                                                                                                              [ ص: 312 ] ويحتمل : أن معناه : يكون عفوك عنه سببا لسقوط إثمك ، وإثم أخيك المقتول.

                                                                                                                              والمراد : إثمهما السابق بمعاص لهما متقدمة ، لا تعلق لها بهذا القاتل. فيكون معنى "يبوء ) : يسقط. وأطلق هذا اللفظ عليه مجازا. والله أعلم.

                                                                                                                              (قال : يا نبي الله ! - لعله - قال : " بلى ،. قال : " فإن ذاك كذاك ".

                                                                                                                              قال : فرمى بنسعته ، وخلى سبيله ) .

                                                                                                                              معناه : لعله : أن لا يبوء بإثمي وإثم صاحبي. فقال : بلى ، يبوء بذلك.

                                                                                                                              قال عياض : فيه أن قتل القصاص ، لا يكفر ذنب القاتل بالكلية. وإن كفر ما بينه وبين الله تعالى. كما جاء في الحديث الآخر : "فهو كفارة له. ويبقى حق المقتول ". انتهى .

                                                                                                                              قال في النيل : استدل المصنف. " يعني : صاحب المنتقى " بهذا الحديث ، على أنه يثبت القصاص على الجاني بإقراره. وهو مما لا أحفظ فيه خلافا. إذا كان الإقرار صحيحا ، متجردا عن الموانع. انتهى.




                                                                                                                              الخدمات العلمية