الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              الآية الثانية قوله تعالى : { فساهم فكان من المدحضين } . [ ص: 29 ]

                                                                                                                                                                                                              فيها أربع مسائل :

                                                                                                                                                                                                              المسألة الأولى يونس عليه السلام رسول رب العالمين ، وهو يونس بن متى قال النبي صلى الله عليه وسلم : { لا تفضلوني على يونس بن متى } . ونسبه إلى أبيه ، أخبرني غير واحد من أصحابنا عن إمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني أنه سئل : هل الباري تعالى في جهة ؟ فقال : لا ، هو يتعالى عن ذلك . قيل له : ما الدليل عليه ؟ قال : الدليل عليه قوله عليه السلام : { لا تفضلوني على يونس بن متى } . فقيل له : ما وجه الدليل من هذا الخبر ؟ قال : لا أقوله حتى يأخذ ضيفي هذا ألف دينار يقضي بها دينه . فقام رجلان فقالا : هي علينا . فقال : لا يتبع بها اثنين ، لأنه يشق عليه . فقال واحد : هي علي .

                                                                                                                                                                                                              فقال : إن يونس بن متى رمى بنفسه في البحر ، فالتقمه الحوت ، وصار في قعر البحر في ظلمات ثلاث ، ونادى : { لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } كما أخبر الله عنه ، ولم يكن محمد صلى الله عليه وسلم بأقرب من الله من يونس حين جلس على الرفرف الأخضر ، وارتقى به ، وصعد حتى انتهى به إلى موضع يسمع منه صرير الأقلام ، وناجاه ربه بما ناجاه ، وأوحى إلى عبده ما أوحى بأقرب من الله من يونس بن متى في بطن الحوت وظلمة البحر .

                                                                                                                                                                                                              قصدت قبره مرارا لا أحصيها بقرية جلجون في مسيري من المسجد الأقصى إلى قبر الخليل ، وبت به ، وتقربت إلى الله تعالى بمحبته ، ودرسنا كثيرا من العلم عنده ، والله ينفعنا به .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثانية بعثه الله إلى أهل نينوى من قرى الموصل على دجلة ومن داناهم ، فكذبوه على عادة الأمم مع الرسل ، فنزل جبريل على يونس ، فقال له : إن العذاب يأتي قومك يوم كذا وكذا . فلما كان يومئذ جاءه جبريل ، فقال له : إنهم قد حضرهم العذاب .

                                                                                                                                                                                                              قال له يونس : ألتمس دابة . قال : الأمر أعجل من ذلك . قال : فألتمس حذاء . قال : الأمر أعجل من ذلك . قال : فغضب يونس وخرج ، وكانت العلامة بينه وبين قومه في نزول العذاب عليهم خروجه عنهم . فلما فقدوه خرجوا بالصغير والكبير والشاة والسخلة ، والناقة والهبع [ ص: 30 ] والفحل ، وكل شيء عندهم ، وعزلوا الوالدة عن ولدها والمرأة عن خليلها ، وتابوا إلى الله ، وصاحوا حتى سمع لهم عجيج ، فأتاهم العذاب حتى نظروا إليه ، ثم صرفه الله عنهم ، فغضب يونس ، وركب البحر في سفينة ، حتى إذا كانوا حيث شاء الله ركدت السفينة ، وقيل : هاج البحر بأمواجه ، وقيل : عرض لهم حوت حبس جريتها ، فقالوا : إن فينا مشئوما أو مذنبا ، فلنقترع عليه ; فاقترعوا فطار السهم على يونس ، فقالوا : على مثل هذا يقع السهم ، قد أخطأنا فأعيدوها ، فأعادوا القرعة فوقعت عليه ، فقالوا مثله ، وأعادوها ، فوقعت القرعة عليه . فلما رأى ذلك يونس رمى بنفسه في البحر ، فالتقمه الحوت ، فأوحى الله إليه : إنا لم نجعل يونس لك رزقا ، وإنما جعلنا بطنك له سجنا ، فنادى { أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } فاستجاب الله له ، وأمر الحوت فرماه على الساحل قد ذهب شعره ، فأنبت الله عليه شجرة من يقطين ، فلما ارتفعت الشمس تحات ورقها ، فبكى ; فأوحى الله إليه أتبكي على شجرة أنبتها في يوم وأهلكتها في يوم ، ولا تبكي على مائة ألف أو يزيدون آمنوا فمتعناهم إلى حين . .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية