الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 186 ] ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا

                                                                                                                                                                                                                                      ولقد كرمنا بني آدم قاطبة تكريما شاملا لبرهم، وفاجرهم، أي: كرمناهم بالصورة، والقامة المعتدلة، والتسلط على ما في الأرض، والتمتع به، والتمكن من الصناعات، وغير ذلك مما لا يكاد يحيط به نطاق العبارة. ومن جملته ما ذكره ابن عباس رضي الله عنهما من أن كل حيوان يتناول طعامه بفيه إلا الإنسان، فإنه يرفعه إليه بيده. وما قيل: من شركة القرد له في ذلك مبني على عدم الفرق بين اليد والرجل، فإنه متناول له برجله التي يطأ بها القاذورات لا بيده. وحملناهم في البر والبحر على الدواب، والسفن من حملته إذا جعلت له ما يركبه، وليس من المخلوقات شيء كذلك. وقيل: حملناهم فيها حيث لم نخسف بهم الأرض ولم نغرقهم بالماء، وأنت خبير بأن الأول هو الأنسب بالتكريم، إذ جميع الحيوانات كذلك. ورزقناهم من الطيبات أي: فنون النعم، وضروب المستلذات مما يحصل بصنيعهم، وبغير صنيعهم. وفضلناهم في العلوم، والإدراكات بما ركبنا فيهم من القوى المدركة التي بها يتميز الحق من الباطل، والحسن من القبيح. على كثير ممن خلقنا وهم من عدا الملائكة عليهم الصلاة والسلام، تفضيلا عظيما فحق عليهم أن يشكروا هذه النعم، ولا يكفروها، ويستعملوا قواهم في تحصيل العقائد الحقة، ويرفضوا ما هم عليه من الشرك الذي لا يقبله أحد ممن له أدنى تميز فضلا عمن فضل على من عدا الملأ الأعلى، الذين هم العقول المحضة، وإنما استثني جنس الملائكة من هذا التفضيل; لأن علومهم دائمة عارية عن الخطأ والخلل. وليس فيه دلالة على أفضليتهم بالمعنى المتنازع فيه، فإن المراد هنا بيان التفضيل في أمر مشترك بين جميع أفراد البشر صالحها وطالحها، ولا يمكن أن يكون ذلك هو الفضل في عظم الدرجة، وزيادة القربة عند الله سبحانه إن قيل: أي حاجة إلى تعيين ما فيه التفضيل بعد بيان ما هو المراد بالمفضلين، فإن استثناء الملائكة عليهم الصلاة والسلام من تفضيل جميع أفراد البشر عليهم لا يستلزم استثناءهم من تفضيل بعض أفراده عليهم قلنا لا بد من تعيينه البتة إذ ليس من الأفراد الفاجرة للبشر أحد يفضل على أحد من المخلوقات فيما هو المتنازع فيه أصلا بل هم أدنى من كل دنئ، حسبما ينبئ عنه قوله تعالى: أولئك كالأنعام بل هم أضل ، وقوله تعالى: إن شر الدواب عند الله الذين كفروا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية