الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (72) قوله : والذي فطرنا : فيه وجهان، أحدهما: أن الواو عاطفة، عطفت هذا الموصول على "ما جاءنا" أي: لن نؤثرك على الذي جاءنا، ولا على الذي فطرنا. وإنما أخروا ذكر الباري تعالى لأنه من باب الترقي من الأدنى إلى الأعلى. والثاني: أنها واو قسم، والموصول مقسم به. وجواب القسم محذوف أي: وحق الذي فطرنا لا نؤثرك على الحق. ولا يجوز أن يكون الجواب "لن نؤثرك" عند من يجوز تقديم الجواب; لأنه لا يجاب القسم بـ "لن" إلا في شذوذ من الكلام.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 78 ] قوله: "ما أنت قاض" يجوز في "ما" وجهان، أظهرهما: أنها موصولة بمعنى الذي، و "أنت قاض" صلتها والعائد محذوف، أي: قاضيه. وجاز حذفه، وإن كان مخفوضا، لأنه منصوب المحل. أي: فاقض الذي أنت قاضيه. والثاني: أنها مصدرية ظرفية، والتقدير: فاقض أمرك مدة ما أنت قاض. ذكر ذلك أبو البقاء. وقد منع بعضهم ذلك أعني جعلها مصدرية قال: لأن: "ما" المصدرية لا توصل بالجملة الاسمية. وهذا المنع ليس مجمعا عليه، بل جوز ذلك جماعة كثيرة. ونقل ابن مالك أن ذلك يكثر إذا دلت "ما" على الظرفية. وأنشد:


                                                                                                                                                                                                                                      3305 - واصل خليلك ما التواصل ممكن فلأنت أو هو عن قليل ذاهب



                                                                                                                                                                                                                                      ويقل إن كانت غير ظرفية. وأنشد:


                                                                                                                                                                                                                                      3306 - أحلامكم لسقام الجهل شافية     كما دماؤكم تشفي من الكلب



                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "إنما تقضي هذه الحياة" يجوز في "ما" هذه وجهان، أحدهما: أن تكون المهيئة لدخول "إن" على الفعل و "الحياة الدنيا" ظرف لـ "تقضي"، ومفعوله محذوف أي: تقضي غرضك وأمرك. ويجوز أن تكون "الحياة" مفعولا [ ص: 79 ] به على الاتساع، ويدل لذلك قراءة أبي حيوة "تقضى هذه الحياة" ببناء الفعل للمفعول ورفع "الحياة" لقيامها مقام الفاعل; وذلك أنه اتسع فيه فقام مقام الفاعل فرفع.

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أن تكون "ما" مصدرية هي اسم "إن"، والخبر الظرف. والتقدير: إن قضاءك في هذه الحياة الدنيا، يعني: إن لك الدنيا فقط، ولنا الآخرة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو البقاء: "فإن كان قد قرئ بالرفع فهو خبر إن". يعني لو قرئ برفع "الحياة" لكان خبرا لـ "إن" ويكون اسمها حينئذ "ما"، وهي موصولة بمعنى الذي، وعائدها محذوف تقديره: إن الذي تقضيه هذه الحياة لا غيرها.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية