الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          تقديم " مثل " و " غير " كالأمر اللازم :

                          135- ومما يرى تقديم الاسم فيه كاللازم " مثل " و " غير " في نحو قوله :


                          مثلك يثني الحزن عن صوبه ويسترد الدمع عن غربه



                          وقول الناس : مثلك رعى الحق والحرمة . وكقول الذي قال له الحجاج : " لأحملنك على الأدهم " يريد القيد، فقال على سبيل المغالطة : " ومثل الأمير يحمل على الأدهم والأشهب " . وما أشبه ذلك مما لا يقصد فيه [ ص: 139 ] بـ " مثل " إلى إنسان سوى الذي أضيف إليه ، ولكنهم يعنون أن كل من كان مثله في الحال والصفة كان من مقتضى القياس وموجب العرف والعادة أن يفعل ما ذكر أو أن لا يفعل . ومن أجل أن كان المعنى كذلك قال :


                          ولم أقل مثلك أعني به     سواك يا فردا بلا مشبه



                          136- وكذلك حكم " غير " إذا سلك به هذا المسلك فقيل : " غيري يفعل ذاك " على معنى أني لا أفعله، لا أن يومئ بـ "غير " إلى إنسان فيخبر عنه بأن يفعل، كما قال :


                          غيري بأكثر هذا الناس ينخدع



                          وذاك أنه معلوم أنه لم يرد أن يعرض بواحد كان هناك فيستنقصه ويصفه بأنه مضعوف يغر ويخدع، بل لم يرد إلا أن يقول : إني لست ممن ينخدع ويغتر . وكذلك لم يرد أبو تمام بقوله :


                          وغيري يأكل المعروف سحتا     وتشحب عنده بيض الأيادي

                          أن يعرض مثلا بشاعر سواه، فيزعم أن الذي قرف به عند الممدوح من أنه هجاه، كان من ذلك الشاعر لا منه. هذا محال بل ليس إلا أنه نفى عن نفسه أن يكون ممن يكفر النعمة ويلؤم .

                          [ ص: 140 ]

                          واستعمال " مثل " و " غير " على هذا السبيل شيء مركوز في الطباع وهو جار في عادة كل قوم . فأنت الآن إذا تصفحت الكلام وجدت هذين الاسمين يقدمان أبدا على الفعل إذا نحي بهما هذا النحو الذي ذكرت لك، وترى هذا المعنى لا يستقيم فيهما إذا لم يقدما . أفلا ترى أنك لو قلت : " يثني الحزن عن صوبه مثلك " و " رعى الحق والحرمة مثلك " و " يحمل على الأدهم والأشهب مثل الأمير " و " ينخدع غيري بأكثر هذا الناس " و " يأكل غيري المعروف سحتا " رأيت كلاما مقلوبا عن جهته، ومغيرا عن صورته، ورأيت اللفظ قد نبا عن معناه، ورأيت الطبع يأبى أن يرضاه .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية