الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          2025 - مسألة : وإن قتل مسلم عاقل بالغ : ذميا ، أو مستأمنا - عمدا ، أو خطأ - فلا قود عليه ، ولا دية ، ولا كفارة - ولكن يؤدب في العمد خاصة ، ويسجن حتى يتوب كفا لضرره .

                                                                                                                                                                                          برهان ذلك - : قول الله تعالى : { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا } إلى قوله تعالى : { وكان الله عليما حكيما } .

                                                                                                                                                                                          فهذا كله في المؤمن بيقين - والضمير الذي في { كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله } راجع ضرورة - لا يمكن غير هذا - إلى المؤمن المذكور أولا ، ولا [ ص: 221 ] ذكر في هذه الآية لذمي أصلا ، ولا لمستأمن - فصح يقينا أن إيجاب الدية على المسلم في ذلك لا يجوز ألبتة ، وكذلك إيجاب القود عليه ولا فرق .

                                                                                                                                                                                          وقد اختلف الناس في هذا - : فقالت طائفة - منهم : أبو حنيفة : يقاد المسلم بالذمي في العمد ، وعليه في قتله خطأ الدية والكفارة ، ولا يقتل بالمعاهد - وإن تعمد قتله ولا نعلم له في قوله هذا سلفا أصلا .

                                                                                                                                                                                          وقالت طائفة - منها مالك : لا يقاد المسلم بالذمي إلا أن يقتله غيلة ، أو حرابة ، فيقاد به ولا بد - وعليه في قتله خطأ أو عمدا - غير غيلة - الدية فقط ، والكفارة في الخطأ .

                                                                                                                                                                                          وقالت طائفة - منها الشافعي : لا يقاد المسلم بالذمي أصلا ، لكن عليه في قتله إياه - عمدا أو خطأ - الدية ، والكفارة .

                                                                                                                                                                                          وجاء في ذلك عن السلف - ما روينا من طريق وكيع أنا سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي : أن رجلا مسلما قتل رجلا من أهل الحيرة ؟ فأقاده عمر بن الخطاب - قال وكيع : ونا أبو الأشهب عن أبي نضرة بمثله سواء سواء - وهذا مرسل .

                                                                                                                                                                                          أنا محمد بن سعيد بن نبات أنا قاسم بن أصبغ أنا محمد بن عبد السلام الخشني أنا محمد بن المثنى أنا عبد الله بن إدريس الأودي عن ليث بن أبي سليم عن الحكم بن عتيبة : أن علي بن أبي طالب ، وابن مسعود ، قالا جميعا : من قتل يهوديا ، أو نصرانيا قتل به - وهذا مرسل أيضا - .

                                                                                                                                                                                          وصح هذا عن عمر بن عبد العزيز - : كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن عمرو بن ميمون ، قال : شهدت كتاب عمر بن عبد العزيز إلى بعض أمرائه في مسلم قتل ذميا : فأمره أن يدفعه إلى وليه ، فإن شاء قتله ، وإن شاء عفا عنه - قال ميمون : فدفع إليه فضرب عنقه وأنا أنظره - وصح أيضا عن إبراهيم النخعي - : كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي ، [ ص: 222 ] قال : المسلم الحر يقتل باليهودي والنصراني - وروي عن الشعبي مثله - وهو قول ابن أبي ليلى ، وعثمان البتي ، وأحد قولي أبي يوسف .

                                                                                                                                                                                          وقد اختلف عن عمر بن عبد العزيز في ذلك - : كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن سماك بن الفضل قاضي اليمن قال : كتب عمر بن عبد العزيز في زياد بن مسلم - وكان قد قتل هنديا باليمن - : أن أغرمه خمسمائة ، ولا تقده به . وقول آخر - رويناه أيضا عن عمر بن الخطاب في المسلم يقتل الذمي : إن كان ذلك منه خلقا وعادة ، وكان لصا عاديا فأقده به - وروي : فاضرب عنقه - وإن كان ذلك في غضبه ، أو طيرة ، فأغرمه الدية - وروي فأغرمه أربعة آلاف - ولا يصح - عن عمر ; لأنه من طريق عبد الله بن محرر - وهو هالك - عن أبي مليح بن أسامة : أن عمر - وهذا مرسل ، ومن طريق عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز في كتاب لأبيه : أن عمر .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن القاسم بن أبي بزة أن عمر ، وهذا مرسل .

                                                                                                                                                                                          أو من طريق سوء فيها : عبد الملك بن حبيب الأندلسي عن أسد بن موسى عن سعيد بن أبي عروبة عن عمرو بن دينار : أن عمر - وهذا مرسل .

                                                                                                                                                                                          وقول آخر - وهو أنه لا يقتل المسلم بالذمي إلا أن يقتله غيلة - : رويناه عن عثمان بن عفان من طريق هالكة مرسلة فيها : عبد الملك بن حبيب الأندلسي عن مطرف عن ابن أبي ذئب عن مسلم بن جندب الهذلي قال : كتب عبد الله بن عامر إلى عثمان : أن رجلا من المسلمين عدا على دهقان فقتله على ماله ؟ فكتب إليه عثمان : أن أقتله به - فإن هذا قتل غيلة على الحرابة - : ورويناه أيضا - عن أبان بن عثمان ، وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، ورجال كثير من أبناء الصحابة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أن كل [ ص: 223 ] ذلك من رواية عبد الملك بن حبيب الأندلسي - وفي بعضها ابن أبي الزناد - وهو ضعيف - وبعضها مرسل ، ولا يصح منها شيء .

                                                                                                                                                                                          وقول آخر - لا يقتل به ، كما روينا بالرواية الثابتة من طريق شعبة أنا عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة أن رجلا مسلما قتل رجلا من أهل الحيرة ؟ فكتب عمر بن الخطاب : أن يقاد به - ثم كتب عمر كتابا بعده : أن لا تقتلوه ، ولكن اعقلوه . ومن طريق إسماعيل بن إسحاق أنا سليمان بن حرب أنا حماد بن زيد عن كثير بن زياد عن الحسن البصري قال : قال عمر بن الخطاب : لا يقتل مؤمن بكافر . ومن طريق إسماعيل أنا يحيى بن خلف أنا أبو عاصم النبيل عن ابن جريج أخبرني ابن شهاب في قتل المسلم النصراني أن عثمان بن عفان قضى : أن لا يقتل به ، وأن يعاقب . ومن طريق عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه : أن رجلا مسلما قتل رجلا من أهل الذمة عمدا ؟ فدفع إلى عثمان بن عفان فلم يقتله به ، وغلظ عليه الدية كدية المسلم - قال الزهري : وقتل خالد بن المهاجر - هو ابن خالد بن الوليد - رجلا ذميا في زمن معاوية ؟ فلم يقتله به ، وغلظ عليه الدية ألف دينار . قال أبو محمد رضي الله عنه : هذا في غاية الصحة عن عثمان - ولا يصح في هذا شيء غير هذا عن أحد من الصحابة إلا ما ذكرنا عن عمر أيضا من طريق النزال بن سبرة .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرزاق أنا رباح بن عبد الله بن عمر أخبرني حميد الطويل : أنه سمع أنس بن مالك يحدث أن يهوديا قتل غيلة فقضى فيه عمر بن الخطاب باثني عشر ألف درهم . ومن طريق إسماعيل بن إسحاق أنا سليمان بن حرب أنا أبو هلال أنا الحسن البصري : أن علي بن أبي طالب قال : لا يقتل مؤمن بكافر . ورويت بذلك مرسلات من طريق الصحابة جملة ، وعن أبي عبيدة بن الجراح ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، وأبي موسى الأشعري - ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة مولى ابن عباس قال في المسلم يقتل الذمي : لا يقتل به ، وفيه الدية .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 224 ] قال أبو محمد رضي الله عنه : وروي أيضا عن عمر بن عبد العزيز - وهو قول سفيان الثوري ، وابن شبرمة ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل وأبي ثور ، وإسحاق ، وأبي سليمان ، وابن المنذر ، وجميع أصحابهم - وإليه رجع زفر بن الهذيل - .

                                                                                                                                                                                          روينا ذلك : من طريق أبي عبيد عن عبد الرحمن بن مهدي عنه .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد رضي الله عنه : أما قول أبي حنيفة - في تفريقه بين الذمي ، والمعاهد ، فما نعلم له حجة لا من قرآن ، ولا من سنة ، ولا من رواية سقيمة ولا من رواية عن أحد من الصحابة ، ولا من التابعين ، ولا من قياس ، ولا من رأي له وجه - فسقط بيقين .

                                                                                                                                                                                          وكذلك وجدنا من فرق بين المرة ، وبين الإكثار من ذلك ، لا حجة لهم من قرآن ، ولا من سنة ، ولا من رواية سقيمة ، ولا من رواية ثابتة عن أحد من الصحابة - رضي الله عنهم - ولا من قياس ، ولا من رأي له وجه .

                                                                                                                                                                                          وأما قول مالك - في الفرق بين الغيلة وغيرها - وكذلك أيضا سواء سواء ، إلا أنهم قالوا : إنما قتلناه للحرابة ؟ فقلنا : أنتم لا تقولون بالترتيب في حد الحرابة ، ولو قلتموه لكنتم متناقضين أيضا ; لأنه لا خلاف بين أحد ممن قال بالترتيب في أنه لا يقتل المحارب إن قتل في حرابة ، من لا يقتل به إن قتله في غير الحرابة ، وأنتم لا تقتلون المسلم بالذمي في غير الحرابة - فظهر فساد هذا التقسيم بيقين .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية