الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله [ ص: 4554 ] في البحر عجبا قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا

                                                          قص الله (تعالى) في سورة "الكهف "؛ ثلاث قصص؛ تدل على قدرة الله (تعالى) في أن يودع الإنسان من القوى ما يكون خارقا؛ وما يكون دالا على أن الله يبدع ما لا يعرفه الناس في أعرافهم؛ وبمقتضى سنة الوجود الإنساني التي سنها الله (تعالى) له في هذه الأرض.

                                                          أولى القصص الثلاث قصة أهل الكهف؛ الذين ناموا لتسع سنين وثلاثمائة؛ وتراهم أيقاظا؛ وهم رقود؛ ويقلبهم ذات اليمين وذات الشمال؛ وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد؛ وقد تلونا من قبل الآيات الخاصة بهم؛ وذكرنا ما أدركنا من معانيها.

                                                          والقصة الثانية قصة عبد صالح؛ آتاه الله من لدنه رحمة؛ وآتاه بعض العلم بالأسباب فيما يقدره الله - سبحانه وتعالى -؛ وصاحب نبيا من أولي العزم من الرسل؛ وهو موسى - عليه السلام -؛ ونتلو بين يدي القارئ قصصها إن شاء الله (تعالى).

                                                          والقصة الثالثة قصة رجل آتاه الله علما وحكمة؛ وإذا كان لم يؤته علم الغيب؛ فقد آتاه الله (تعالى) علم الأشياء؛ وما في الأرض؛ وبه ختمت السورة.

                                                          وإذا كانت القصة الأولى تنبئ عن قدرة الله (تعالى) في الإحياء؛ وفي بقاء الحياة مع اختفاء الحركة؛ والقصة الثانية تنبئ عن أن لكل شيء سببا؛ وإن كنا لا نعلمه؛ فآتى الله عبده الصالح علم بعضه؛ ففي القصة كيف يمكن أن تكون الأرض وما فيها علما للإنسان؛ يأتيه بعقله؛ واختياره؛ فيأتي بالعجائب؛ بعد هذه المقدمة القصيرة؛ نتناول آيات العبد الصالح.

                                                          كان موسى يسير مع فتاه على سيف البحر؛ يبدو أنه سيف البحر الأحمر من جهة الشرق؛ وجد العبد الصالح؛ إنه وفتاه يسيران حتى بلغ مجمع البحرين؛ وإليك الآية الأولى؛ قبل اللقاء بالعبد الصالح: [ ص: 4555 ] / وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا موسى - عليه السلام - هو موسى بن عمران ؛ المذكور في القرآن؛ لأنه لم يذكر علم اسمه موسى سوى هذا الرسول الكريم؛ ومن يقول: إنه موسى غيره؛ فهي دعوى بلا دليل؛ ولا مصدر لها إلا ممن يشكك في القرآن؛ بخلق أشياء لا أصل لها حول عباراته؛ إبعادا لمعانيه عن المراد منها؛ وقوله: "لا أبرح "؛ أي: لا أترك السير حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا وهذا يفيد أن المقصد الأول له أن يبلغ مجمع البحرين؛ أو يسير حقبا؛ أي زمنا طويلا؛ أي: ما شاء الله (تعالى) أن يسير؛ ويظهر أن ذلك كان من موسى - عليه السلام - لتعرف الأراضي والناس في مرتحله؛ أو ليرتاد لبني إسرائيل مقاما؛ وقد سبقهم للارتياد؛ ليكفيهم مؤونته أولا؛ ولينقلهم إليه بعد الاهتداء إليه وتعرفه؛ وقد وصل إلى مقصده؛ وهو بلوغ مجمع البحرين؛ ولذا قال (تعالى):

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية