الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين ( 142 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : لما مضى لموعد ربه قال لأخيه هارون : ( اخلفني في قومي ) ، يقول : كن خليفتي فيهم إلى أن أرجع . [ ص: 88 ]

يقال منه : "خلفه يخلفه خلافة" .

( وأصلح ) ، يقول : وأصلحهم بحملك إياهم على طاعة الله وعبادته ، كما : -

15070 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : " وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح " ، وكان من إصلاحه أن لا يدع العجل يعبد .

وقوله : ( ولا تتبع سبيل المفسدين ) ، يقول : ولا تسلك طريق الذين يفسدون في الأرض ، بمعصيتهم ربهم ، ومعونتهم أهل المعاصي على عصيانهم ربهم ، ولكن اسلك سبيل المطيعين ربهم .

وكانت مواعدة الله موسى عليه السلام بعد أن أهلك فرعون ، ونجى منه بني إسرائيل ، فيما قال أهل العلم ، كما : -

15071 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني الحجاج ، عن ابن جريج قوله : ( وواعدنا موسى ثلاثين ليلة ) ، الآية ، قال : يقول : إن ذلك بعد ما فرغ من فرعون وقبل الطور ، لما نجى الله موسى عليه السلام من البحر وغرق آل فرعون ، وخلص إلى الأرض الطيبة ، أنزل الله عليهم فيها المن والسلوى ، وأمره ربه أن يلقاه ، فلما أراد لقاء ربه ، استخلف هارون على قومه ، وواعدهم أن يأتيهم إلى ثلاثين ليلة ، ميعادا من قبله ، من غير أمر ربه ولا ميعاده . فتوجه ليلقى ربه ، فلما تمت ثلاثون ليلة ، قال عدو الله السامري : ليس يأتيكم موسى ، وما يصلحكم إلا إله تعبدونه ! فناشدهم هارون وقال : لا تفعلوا ، انظروا ليلتكم هذه ويومكم هذا ، فإن جاء وإلا فعلتم ما بدا لكم ! فقالوا : نعم! فلما أصبحوا [ ص: 89 ] من غد ولم يروا موسى ، عاد السامري لمثل قوله بالأمس . قال : وأحدث الله الأجل بعد الأجل الذي جعله بينهم عشرا ، فتم ميقات ربه أربعين ليلة ، فعاد هارون فناشدهم إلا ما نظروا يومهم ذلك أيضا ، فإن جاء وإلا فعلتم ما بدا لكم! ثم عاد السامري الثالثة لمثل قوله لهم ، وعاد هارون فناشدهم أن ينتظروا ، فلما لم يروا . . .

15072 - قال القاسم ، قال الحسين ، حدثني حجاج قال ، حدثني أبو بكر بن عبد الله الهذلي قال : قام السامري إلى هارون حين انطلق موسى فقال : يا نبي الله ، إنا استعرنا يوم خرجنا من القبط حليا كثيرا من زينتهم ، وإن الجند الذين معك قد أسرعوا في الحلي يبيعونه وينفقونه ، وإنما كان عارية من آل فرعون ، فليسوا بأحياء فنردها عليهم ، ولا ندري لعل أخاك نبي الله موسى إذا جاء يكون له فيها رأي ، إما يقربها قربانا فتأكلها النار ، وإما يجعلها للفقراء دون الأغنياء! فقال له هارون : نعم ما رأيت وما قلت ! فأمر مناديا فنادى : من كان عنده شيء من حلي آل فرعون فليأتنا به ! فأتوه به ، فقال هارون : يا سامري أنت أحق من كانت عنده هذه الخزانة! فقبضها السامري ، وكان عدو الله الخبيث صائغا ، فصاغ منه عجلا جسدا ، ثم قذف في جوفه تربة من القبضة التي قبض من أثر فرس جبريل عليه السلام إذ رآه في البحر ، فجعل [ ص: 90 ] يخور ، ولم يخر إلا مرة واحدة ، وقال لبني إسرائيل : إنما تخلف موسى بعد الثلاثين الليلة يلتمس هذا ! ( هذا إلهكم وإله موسى فنسي ) ، [ طه : 88 ] . يقول : إن موسى عليه السلام نسي ربه .

التالي السابق


الخدمات العلمية