الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان هذا من العجائب [التي تضاءل عندها العجائب]، والغرائب التي تخضع لديها الغرائب، وإن صارت مألوفة بكثرة التكرار، والتجلي على الأبصار، هذا إلى ما له من الآيات التي تزيد على العد، ولا يحصر بحد، من خلق السماوات والأرض، واختلاف الليل والنهار، وتسخير الشمس والقمر والكواكب - وغير ذلك، حقر آية أصحاب الكهف - وإن كانت من أعجب العجب - لاضمحلالها في جنب ذلك، لأن الشيء إذا كان كذلك كثر إلفه فلم يعد عجبا، فنبه على ذلك بقوله تعالى عطفا على ما تقديره: أعلمت أن هذا وغيره من عجائب قدرتنا؟ : أم حسبت على ما لك من العقل الرزين والرأي الرصين أن أصحاب الكهف أي الغار الواسع المنقور في الجبل كالبيت والرقيم أي القرية أو الجبل كانوا هم فقط من آياتنا عجبا على ما لزم من تهويل السائلين من الكفرة من اليهود والعرب، والواقع أنهم - وإن كانوا من العجائب - ليسوا بعجب بالنسبة إلى كثرة آياتنا، وبالنسبة إلى هذا العجب [النباتي] الذي أعرضتم عنه بإلفكم له من كثرة تكرره فيكم، فإنه سبحانه أخرج نبات الأرض على تباين [ ص: 16 ] أجناسه، واختلاف ألوانه وأنواعه، وتضاد طبائعه، من مادة واحدة، يهتز بالينبوع، يبهج الناظرين ويروق المتأملين، ثم يوقفه ثم يرده باليبس والتفرق إلى التراب فيختلط به حتى لا يميزه عن بقية التراب، ثم يرسل الماء فيختلط بالتراب فيجمعه أخضر يانعا يهتز بالنمو على أحسن ما كان، وهكذا كل سنة، فهذا بلا شك أعجب حالا ممن حفظت أجسامهم مدة [عن التغير] ثم ردت أرواحهم فيها، وقد كان في سالف الدهر يعمر بعض [الناس] أكثر [من مقدار] ما لبثوا، وهذا الكهف - قيل: [هو في جبال] بمدينة طرسوس وهو المشهور، وقال أبو حيان : قيل: هو في الروم، وقيل: في الشام، وقيل: في الأندلس، قال: في جهة غرناطة بقرب قرية [تسمى] لوشة كهف فيه موتى ومعهم كلب [رمة، وأكثرهم] قد انجرد لحمه، وبعضهم متماسك وقد مضت القرون [السالفة] ولم نجد من عرف شأنهم، ويزعم ناس أنهم أصحاب الكهف، ونقل عن ابن عطية قال: دخلت إليهم سنة أربع وخمسمائة فرأيتهم بهذه الحالة وعليهم مسجد وقريب منهم بناء رومي يسمى الرقيم، [وهو] في فلاة من الأرض، وبأعلى حضرة غرناطة مما يلي القبلة آثار مدينة قديمة يقال لها مدينة دقيوس، ونقل أبو حيان [ ص: 17 ] عن أبيه أنه حين كان بالأندلس كان الناس يزورون هذا الكهف ويذكرون أنهم يغلطون في عدتهم إذا عدوهم وأن معهم كلبا، قال: وأما ما ذكرت من مدينة دقيوس التي بقبلي غرناطة، فقد مررت عليها مرارا لا تحصى، قال: ويترجح كون أصحاب الكهف بالأندلس - انتهى ملخصا. قلت: وفيه نظر، والذي يرجح المشهور ما نقل البغوي [وغيره] عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: غزونا مع معاوية بحر الروم فمررنا بالكهف [الذي فيه أصحاب الكهف] فإن معاوية لم يصل إلى بلاد الأندلس والله أعلم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية