الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          192 - فصل

                          [ الفطرة تقتضي حب الله ] .

                          ومما يبين هذا أن كل حركة إرادية فإن الموجب لها قوة في المريد ، فإذا أمكن الإنسان أن يحب الله ويعبده ويخلص له الدين كان فيه قوة تقتضي [ ص: 1067 ] ذلك ، إذ الأفعال الإرادية لا يكون سببها إلا من نفس الحي المريد الفاعل ، ولا يشترط في إرادته إلا مجرد الشعور بالمراد ، فما في النفوس من قوة المحبة لله إذا شعرت به يقتضي حبه إذا لم يحصل معارض ، وهذا موجود في محبة الأطعمة ، والأشربة ، والنكاح ، ومحبة العلم ، وغير ذلك .

                          وإذا كان كذلك - وقد ثبت في النفس قوة المحبة لله ، والذل له ، وإخلاص الدين له ، وأن فيها قوة الشعور به - لزم قطعا وجود المحبة فيها ، والذل في الفعل لوجود المقتضي الموجب إذا سلم عن المعارض ، وعلم أن المعرفة ، والمحبة لا يشترط فيهما وجود شخص منفصل وإن كان وجوده قد يذكر ويحرك ، كما إذا خوطب الجائع بوصف الطعام ، والمغتلم بوصف النساء ، فإن هذا مما يذكر ويحرك ، لكن لا يشترط ذلك لوجود الشهوة ، فكذلك الأسباب الخارجة لا يتوقف عليها وجود ما في الفطرة من الشعور بالخالق ، والذل له ، ومحبته ، وإن كان ذلك مذكرا ومحركا ، ومزيلا للمعارض [ ص: 1068 ] المانع .

                          وأيضا ، فالإقرار بالصانع بدون عبادته ، والمحبة له ، وإخلاص الدين له لا يكون نافعا ، بل الإقرار مع البغض أعظم استحقاقا للعذاب ، فلا بد أن يكون في الفطرة مقتض للعلم ومقتض للمحبة ، والمحبة مشروطة بالعلم : فإن ما لا يشعر به الإنسان لا يحبه ، ومحبة الأشياء المحبوبة لا تكون بسبب من خارج بل هو أمر جبلي فطري ، وإذا كانت المحبة فطرية فالشعور فطري ، ولو لم تكن المحبة فطرية لكانت النفس قابلة لها ولضدها على السواء ، وهذا ممتنع : فعلم أن الحنيفية من موجبات الفطرة ومقتضياتها ، والحب لله ، والخضوع له ، والإخلاص هو أصل الأعمال الحنيفية ، وذلك مستلزم للإقرار ، والمعرفة ، ولازم اللازم لازم ، وملزوم الملزوم ملزوم ، فعلم أن الفطرة ملزومة لهذه الأحوال ، وهذه الأحوال لازمة لها ، وهو المطلوب .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية