الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن الناس من يعجبك قوله : تجريد للخطاب؛ وتوجيه له إليه - عليه الصلاة والسلام -؛ وهو كلام مبتدأ؛ سيق لبيان تحزب الناس في شأن التقوى إلى حزبين؛ وتعيين مآل كل منهما؛ و"من" موصولة؛ أو موصوفة؛ وإعرابه كما بين في قوله (تعالى): ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر ؛ أي: ومنهم من يروقك كلامه؛ ويعظم موقعه في نفسك؛ لما تشاهد فيه من ملاءمة الفحوى؛ ولطف الأداء. والتعجب: حيرة تعرض للإنسان بسبب عدم الشعور؛ بسبب ما يتعجب منه؛ في الحياة الدنيا : متعلق بـ "قوله"؛ أي: ما يقوله في حق الحياة الدنيا؛ ومعناها؛ فإنها الذي يريده بما يدعيه من الإيمان؛ ومحبة الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ وفيه إشارة إلى أن له قولا آخر؛ ليس بهذه الصفة؛ أو بـ "يعجبك"؛ أي: يعجبك قوله في الدنيا بحلاوته؛ [ ص: 211 ] وفصاحته؛ لا في الآخرة؛ لما أنه يظهر هناك كذبه؛ وقبحه؛ وقيل: لما يرهقه من الحبسة واللكنة؛ وأنت خبير بأنه لا مبالغة حينئذ في سوء حاله؛ فإن مآله بيان حسن كلامه في الدنيا؛ وقبحه في الآخرة؛ وقيل: معنى "في الحياة الدنيا": "مدة الحياة الدنيا"؛ أي: لا يصدر منه فيها إلا القول الحسن؛ ويشهد الله على ما في قلبه ؛ أي: بحسب ادعائه؛ حيث يقول: "الله يعلم أن ما في قلبي موافق لما في لساني"؛ وهو عطف على "يعجبك"؛ وقرئ: "ويشهد الله"؛ فالمراد بما في قلبه: ما فيه حقيقة؛ ويؤيده قراءة ابن عباس - رضي الله عنهما -: "والله يشهد على ما في قلبه"؛ على أن كلمة "على" لكون المشهود به مضرا له؛ فالجملة اعتراضية؛ وقرئ: "ويستشهد الله"؛ وهو ألد الخصام ؛ أي: شديد العداوة والخصومة للمسلمين؛ على أن "الخصام"؛ مصدر؛ وإضافة "ألد" إليه بمعنى "في"؛ كقولهم: "ثبت العذر"؛ أو "أشد الخصوم لهم خصومة"؛ على أنه جمع "خصم"؛ كـ "صعب"؛ و"صعاب"؛ قيل: نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي؛ وكان حسن المنظر؛ حلو المنطق؛ يوالي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ ويدعي الإسلام؛ والمحبة؛ وقيل: في المنافقين؛ والجملة حال من الضمير المجرور في "قوله"؛ أو من المستكن في "يشهد"؛ وعطف على ما قبلها؛ على القراءتين المتوسطتين.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية