الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
(أبواب إثبات صفة الكلام لله - عز وجل - )

32 - (باب ذكر تكليم الله كليمه موسى) :

خصوصية خصه الله

[ ص: 329 ] [ ص: 330 ] [ ص: 331 ] [ ص: 332 ] بها ، من بين الرسل ، بذكر آي مجملة غير مفسرة ، فسرتها آيات مفسرات .

قال أبو بكر : نبدأ بذكر تلاوة الآي المجملة غير المفسرة ، ثم نثني بعون الله وتوفيقه بالآيات المفسرات .

الأدلة من الكتاب :

قال الله تعالى : تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله الآية .

فأجمل الله - تعالى - ذكر من كلمه (الله) في هذه الآية ، فلم يذكره باسم ، ولا نسب ، ولا صفة ، فيعرف المخاطب بهذه الآية التالي لها أو سامعها من غيره : أي الرسل الذي كلمه الله من بين الرسل ، وكذلك أجمل الله - أيضا - في هذه الآية الجهات التي كلم الله عليها من علم .

[ ص: 333 ] أنه كلمهم من الرسل ، فبين في قوله : وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء ، الجهات التي كلم الله عليها بعض البشر .

فأعلم : أنه كلم بعضهم وحيا ، أو من وراء حجاب ، أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء .

وبين في قوله : وكلم الله موسى تكليما أن موسى - صلى الله عليه وسلم - كلمه تكليما ، فبين لعباده المؤمنين في هذه الآية ما كان أجمله في قوله : منهم من كلم الله ، فسمي في هذه الآية كليمه ، وأعلم أنه موسى ، الذي خصه الله بكلامه ، وكذلك قوله تعالى : ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه ، مفسر للآية الأولى ، سمى الله في هذه الآية كليمه ، وأعلم أنه موسى ، الذي خصه الله بالتسمية من بين جميع الرسل صلوات الله عليهم .

وأعلم - جل ثناؤه - أن ربه الذي كلمه ، وأعلم الله تعالى أنه اصطفى موسى برسالته وبكلامه ، فقال - عز وجل - : يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي ، فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين .

[ ص: 334 ] ففي الآية : زيادة بيان ، وهي : إعلام الله في هذه الآية بعض ما به كلم موسى ، ألا تسمع قوله : إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي ، إلى قوله : وكن من الشاكرين ، وبين في آي أخر - بعض ما كلمه الله - عز وجل - به ، فقال في سورة طه : فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري إلى آخر القصة ، وقال في سورة النمل : إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر ، إلى قوله : فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها ، إلى قوله : يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم . وقال في سورة القصص : فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين إلى آخر القصة .

فبين الله في الآي الثلاث : بعض ما كلم الله به موسى ، مما لا يجوز أن يكون من ألفاظ ملك مقرب ، ولا ملك غير مقرب .

غير جائز أن يخاطب ملك مقرب موسى ، فيقول : إني أنا الله رب العالمين ، أو يقول : إني أنا ربك فاخلع نعليك .

[ ص: 335 ] قال الله تعالى : وتمت كلمت ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ، فأعلم الله في هذه الآية أن له - جل وعلا - كلمة يتكلم بها .

الأدلة من السنة :

فاسمعوا الآن سنن النبي - صلى الله عليه وسلم - الصريحة ، بنقل العدل عن العدل موصولا إليه ، المبينة أن الله اصطفى موسى بكلامه ، خصوصية خصه بها من بين سائر الرسل - عليهم السلام - .

1 - ( 201 ) : حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي ، وبشر بن معاذ العقدي ، وأبو الخطاب ، والزيادي ، قالوا : ثنا بشر - وهو ابن المفضل - قال : ثنا داود ، عن الشعبي ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : [ ص: 336 ] " لقي موسى آدم - صلى الله عليه وسلم - . . . . " .

فذكروا الحديث بتمامه ، وفي الخبر : " فقال آدم : ألست موسى اصطفاك الله على الناس برسلاته وبكلامه . . ؟ " .

2 - (000) : قال يحيى بن حبيب ، عن داود ، عن عامر ، . . . .

التالي السابق


الخدمات العلمية