الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب ما جاء في طلاق العبد 2865 - ( عن ابن عباس قال : { أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال : يا رسول الله سيدي زوجني أمته وهو يريد أن يفرق بيني وبينها ، قال : فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فقال يا أيها الناس ، ما بال أحدكم يزوج عبده أمته ، ثم يريد أن يفرق بينهما ، إنما الطلاق لمن أخذ بالساق } رواه ابن ماجه والدارقطني ) .

                                                                                                                                            2866 - ( وعن عمر بن معتب { أن أبا حسن مولى بني نوفل أخبره أنه استفتى ابن عباس في مملوك تحته مملوكة فطلقها تطليقتين ، ثم عتقا هل يصلح له أن يخطبها ؟ قال : نعم ، قضى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم } . رواه الخمسة إلا الترمذي وفي رواية : { بقيت لك واحدة قضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم . } رواه أبو داود وقال ابن المبارك ومعمر : لقد تحمل أبو حسن هذا صخرة عظيمة . وقال أحمد بن حنبل في رواية ابن منصور ، في عبد تحته مملوكة فطلقها تطليقتين ثم عتقا ، يتزوجها ويكون على واحدة على حديث عمر بن معتب . وقال في رواية أبي طالب في هذه المسألة : يتزوجها ، ولا يبالي في العدة عتقا أو بعد العدة ، قال : وهو قول ابن عباس وجابر بن عبد الله وأبي سلمة وقتادة ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث ابن عباس أخرجه أيضا الطبراني وابن عدي ، وفي إسناد ابن ماجه ابن لهيعة وكلام الأئمة فيه معروف ، وفي إسناد الطبراني يحيى الحماني وهو ضعيف ، وفي إسناد [ ص: 283 ] ابن عدي والدارقطني عصمة بن مالك ، كذا قيل ، وفي التقريب أنه صحابي وطرقه يقوي بعضها بعضا . وقال ابن القيم : إن حديث ابن عباس وإن كان في إسناده ما فيه فالقرآن يعضده وعليه عمل الناس ، وأراد بقوله : القرآن يعضده نحو قوله تعالى { إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن } وقوله تعالى { إذا طلقتم النساء } الآية . وحديث عمر بن معتب أخرجه أيضا النسائي وابن ماجه وقد ذكر أبو الحسن المذكور بخير وصلاح ، ووثقه أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان . غير أن الراوي عنه عمر بن معتب ، وقد قال علي بن المديني : إنه منكر الحديث وسئل عنه أيضا فقال : مجهول لم يرو عنه غير يحيى بن أبي كثير . وقال النسائي : ليس بالقوي . وقال الأمير أبو نصر : منكر الحديث . وقال الذهبي : لا يعرف . ومعتب بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد المثناة الفوقية وكسرها وبعدها باء موحدة .

                                                                                                                                            وقد استدل بحديث ابن عباس المذكور من قال : إن طلاق امرأة العبد لا يصح إلا منه لا من سيده . وروي عن ابن عباس أنه يقع طلاق السيد على عبده والحديث المروي من طريقه حجة عليه وابن لهيعة ليس بساقط الحديث ، فإنه إمام حافظ كبير ، ولهذا أورده الذهبي في تذكرة الحفاظ . وقال أحمد بن حنبل : من كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه وقال أحمد بن صالح : كان ابن لهيعة صحيح الكتاب طلابا للعلم . وقال يحيى بن القطان وجماعة : إنه ضعيف . وقال ابن معين : ليس بذاك القوي ، وهذا جرح مجمل لا يقبل عند بعض أئمة الجرح والتعديل . وقد قيل : إن السبب في تضعيفه احتراق كتبه وأنه بعد ذلك حدث من حفظه فخلط ، وأن من حدث عنه قبل احتراق كتبه كابن المبارك وغيره حديثهم عنه قوي وبعضهم يصححه ، وهذا التفصيل هو الصواب . وقال الذهبي : إنها تؤدي حديثه في المتابعات ولا يحتج به ، وأما يحيى الحماني فقال في التذكرة : وثقه يحيى بن معين ; وقال عدي : أرجو أنه لا بأس به ، وقال ابن حبان : يكذب جهارا ويسرق الأحاديث

                                                                                                                                            واستدل أيضا بحديث ابن عباس الثاني أيضا أن العبد يملك من الطلاق ثلاثا كما يملك الحر . وقال الشافعي : إنه لا يملك من الطلاق إلا اثنتين ، حرة كانت زوجته أو أمة . وقال أبو حنيفة والناصر : إنه لا يملك في الأمة إلا اثنتين لا في الحرة فكالحر . واستدلوا بحديث ابن مسعود { الطلاق بالرجال والعدة بالنساء } عند الدارقطني والبيهقي . وأجيب بأنه موقوف . قالوا : أخرج الدارقطني والبيهقي أيضا عن ابن عباس نحوه . وأجيب بأنه موقوف أيضا . وكذلك روى نحوه أحمد من حديث علي وهو أيضا موقوف . قالوا : أخرج ابن ماجه والدارقطني والبيهقي من حديث ابن عمر مرفوعا { طلاق الأمة اثنتان وعدتها حيضتان } وأجيب بأن في إسناده عمر بن شبيب وعطية العوفي وهما ضعيفان . وقال الدارقطني والبيهقي : [ ص: 284 ] الصحيح أنه موقوف ، قالوا في السنن نحوه من حديث عائشة . وأجيب بأن في إسناده مظاهر بن أسلم . قال الترمذي : حديث عائشة هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث مظاهر بن أسلم ومظاهر لا يعرف له في العلم غير هذا الحديث والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول سفيان الثوري والشافعي وإسحاق انتهى . لا يقال : هذه الطرق تقوى على تخصيص عموم { الطلاق مرتان } وغيرها من العمومات الشاملة للحر والعبد ; لأنا نقول : قد دل على أن ذلك العموم مراد غير مخرج منه العبد حديث ابن عباس المذكور في الباب فهو معارض لما دل على أن طلاق العبد ثنتان .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية