الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا

                                                                                                                                                                                                                                      قل للذين لا يعرفون جلالة قدر التنزيل ولا يفهمون فخامة شأنه الجليل، بل يزعمون أنه من كلام البشر. لئن اجتمعت الإنس والجن أي: اتفقوا. على أن يأتوا بمثل هذا القرآن المنعوت بما لا تدركه العقول من النعوت الجليلة في البلاغة، وحسن النظم، وكمال المعنى، وتخصيص الثقلين بالذكر; لأن المنكر لكونه من عند الله تعالى منهما لا من غيرهما، لا لأن غيرهما قادر على المعارضة.لا يأتون بمثله أوثر الإظهار على إيراد الضمير الراجع إلى المثل المذكور احترازا عن أن يتوهم أن له مثلا معينا، وإيذانا بأن المراد: نفي الإتيان بمثل ما، أي: لا يأتون بكلام مماثل له فيما ذكر من الصفات البديعة، وفيهم العرب العاربة أرباب البراعة والبيان، وهو جواب للقسم الذي ينبئ عنه اللام الموطئة، وساد مسد جزاء الشرط، ولولاها لكان جوابا له بغير جزم لكون الشرط ماضيا، كما في قول زهير :


                                                                                                                                                                                                                                      وإن أتاه خليل يوم مسألة يقول لا غائب مالي ولا حرم



                                                                                                                                                                                                                                      وحيث كان المراد بالاجتماع على الإتيان بمثل القرآن مطلق الاتفاق على ذلك سواء كان التصدي للمعارضة من كل واحد منهم على الانفراد، أو من المجموع بأن يتألبوا على تلفيق كلام واحد بتلاحق الأفكار، وتعاضد الأنظار، قيل: ولو كان بعضهم [ ص: 194 ] لبعض ظهيرا أي: في تحقيق ما يتوخونه من الإتيان بمثله، وهو عطف على مقدر، أي: لا يأتون بمثله لو لم يكن بعضهم ظهيرا لبعض ولو كان ... إلخ. وقد حذف المعطوف عليه حذفا مطردا لدلالة المعطوف عليه دلالة واضحة فإن الإتيان بمثله حيث انتفى عند التظاهر، فلأن ينتفي عند عدمه أولى، وعلى هذه النكتة يدور ما في "إن" و "لو" الوصليتين من التأكيد كما مر غير مرة، ومحله النصب على الحالية حسبما عطف عليه، أي: لا يأتون بمثله على كل حال مفروض، ولو في هذه الحال المنافية لعدم الإتيان به فضلا عن غيرها، وفيه حسم لأطماعهم الفارغة في روم تبديل بعض آياته ببعض، ولا مساغ لكون الآية تقريرا لما قبلها من قوله تعالى: ثم لا تجد لك به علينا وكيلا كما قيل. لكن لا لما قيل من أن الإتيان بمثله أصعب من استرداد عينه، ونفي الشيء إنما يقرره نفي ما دونه لا نفي ما فوقه، فإن أصعبية الاسترداد بغير أمره تعالى من الإتيان بمثله مما لا شبهة فيه، بل لأن الجملة القسمية ليست مسوقة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بل إلى المكابرين من قبله صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية