الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين ( 149 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " ولما سقط في أيديهم " ، : ولما ندم الذين عبدوا العجل الذي وصف جل ثناؤه صفته ، عند رجوع موسى إليهم ، واستسلموا لموسى وحكمه فيهم .

وكذلك تقول العرب لكل نادم على أمر فات منه أو سلف ، وعاجز عن شيء : "قد سقط في يديه" و"أسقط" ، لغتان فصيحتان ، وأصله من الاستئسار ، وذلك أن يضرب الرجل الرجل أو يصرعه ، فيرمي به من يديه إلى الأرض ليأسره ، [ ص: 119 ] فيكتفه . فالمرمي به مسقوط في يدي الساقط به . فقيل لكل عاجز عن شيء ، وضارع لعجزه ، متندم على ما قاله : "سقط في يديه" و"أسقط" .

وعنى بقوله : " ورأوا أنهم قد ضلوا " ، ورأوا أنهم قد جاروا عن قصد السبيل ، وذهبوا عن دين الله ، وكفروا بربهم ، قالوا تائبين إلى الله منيبين إليه من كفرهم به : " لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين " .

ثم اختلفت القرأة في قراءة ذلك .

فقرأه بعض قرأة أهل المدينة ومكة والكوفة والبصرة : ( لئن لم يرحمنا ربنا ) بالرفع ، على وجه الخبر .

وقرأ ذلك عامة قرأة أهل الكوفة : ( لئن لم ترحمنا ربنا ) ، بالنصب ، بتأويل : لئن لم ترحمنا يا ربنا على وجه الخطاب منهم لربهم . واعتل قارئو ذلك كذلك بأنه في إحدى القراءتين : ( قالوا ربنا لئن لم ترحمنا ربنا وتغفر لنا ) ، وذلك دليل على الخطاب .

قال أبو جعفر : والذي هو أولى بالصواب من القراءة في ذلك ، القراءة على وجه [ ص: 120 ] الخبر بالياء في ( يرحمنا ) ، وبالرفع في قوله : ( ربنا ) ، لأنه لم يتقدم ذلك ما يوجب أن يكون موجها إلى الخطاب .

والقراءة التي حكيت على ما ذكرنا من قراءتها : ( قالوا ربنا لئن لم ترحمنا ) ، لا نعرف صحتها من الوجه الذي يجب التسليم إليه .

ومعنى قوله : ( لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا ) ، : لئن لم يتعطف علينا ربنا بالتوبة برحمته ، ويتغمد بها ذنوبنا ، لنكونن من الهالكين الذين حبطت أعمالهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية