الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وكذلك أي فعلنا بهم هذا من آياتنا من النوم وغيره، ومثل ما فعلناه بهم بعثناهم بما لنا من العظمة ليتساءلوا وأظهر بالافتعال إشارة إلى أنه في غاية الظهور. ولما كان المراد تساؤلا عن أخبار لا تعدوهم قال تعالى: بينهم أي عن أحوالهم في نومهم ويقظتهم فيزدادوا إيمانا، وثباتا وإيقانا، بما ينكشف لهم من الأمور العجيبة، والأحوال الغريبة فيعلم أنه لا علم لأحد غيرنا، ولا قدرة لأحد سوانا، وأن قدرتنا تامة، وعلمنا شامل، فليعلم ذلك من أنكر قدرتنا على البعث وسأل اليهود البعداء البغضاء عن نبيه الحبيب الذي أتاهم بالآيات، وأراهم البينات، فإن كانوا يستنصحون اليهود فليسألوهم عما قصصنا [ ص: 31 ] من هذه القصة، فإن اعترفوا [به -] لزمهم جميعا الإيمان والرجوع عن الغي والعدوان، وإن لم يؤمنوا علم قطعا أنه لا يؤمن إلا من أردنا هدايته بالآيات البينات كأهل الكهف وغيرهم، لا بإنزال الآيات المقترحات.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان المقام مقتضيا لأن يقال: ما كان تساؤلهم؟ أجيب بقوله تعالى: قال قائل منهم مستفهما من إخوانه: كم لبثتم نائمين في هذا الكهف من ليلة أو يوم، وهذا يدل على أن هذا القائل استشعر طول لبثهم بما رأى من هيئتهم أو لغير ذلك من الأمارات; ثم وصل [به -] في ذلك الأسلوب أيضا قوله تعالى: قالوا لبثنا يوما ودل على أن هذا الجواب مبني على الظن بقوله دالا حيث أقرهم عليه سبحانه على جواز الاجتهاد والقول بالظن المخطئ، وأنه لا يسمى كذبا وإن كان مخالفا للواقع أو بعض يوم كما تظنون أنتم عند قيامكم من القبور إن لبثتم إلا قليلا، لأنه لا فرق بين صديق وزنديق في الجهل بما غيبه الله تعالى: فكأنه قيل: على أي شيء استقر أمرهم في ذلك؟ فأجيب بأنهم ردوا الأمر إلى الله بقوله: قالوا أي قال بعضهم إنكارا على أنفسهم ووافق الباقون بما عندهم [من -] التحاب في الله والتوافق [فيه -] فهم في الحقيقة إخوان الصفا [ ص: 32 ] وخلان الألفة والوفا ربكم المحسن إليكم أعلم أي من كل أحد بما لبثتم فابعثوا أي فتسبب عن إسناد العلم إلى الله تعالى أن يقال: اتركوا الخوض في هذا واشتغلوا بما ينفعكم بأن تبعثوا أحدكم بورقكم أي فضتكم هذه التي جمعتموها لمثل هذا إلى المدينة التي خرجتم منها وهي طرسوس ليأتينا بطعام فإنا جياع فلينظر أيها أي أي أهلها أزكى أي أطهر وأطيب طعاما فليأتكم ذلك الأحد برزق منه لنأكل وليتلطف في التخفي بأمره حتى لا يتفطنوا له ولا يشعرن أي هذا المبعوث منكم في هذا الأمر بكم أحدا أن فطنوا [له -] فقبضوا عليه، وإن المعنى: لا يقولن ولا يفعلن ما يؤدي من غير قصد منه إلى الشعور بكم فيكون قد أشعر بما كان منه من السبب، وفي قصتهم دليل على أن حمل المسافر ما يصلحه من المنفعة رأي المتوكلين لا المتآكلين المتكلين على الإنفاقات على ما في أوعية القوم من النفقات، وفيها صحة الوكالة; ومادة ورق بجميع تراكيبها الخمسة عشر قد تقدم في سورة سبحان وغيرها أنها [تدور -] على الجمع، فالورق مثلثة وككتف [ ص: 33 ] وجبل: الدراهم المضروبة - تشبيها بالورق في الشكل وفي الجمال، وبها جمع حال الإنسان، وحالها مقتض للجمع، والوراق: الكثير الدراهم وهو أيضا مورق الكتب، وحرفته الوراقة، وما زلت منك موارقا، أي قريبا مدانيا - أي كالذي يساجلك في قطاف الورق من شجرة واحدة فهو يأخذ من ناحية وأنت من أخرى، والمداناة: أول الجمع والورق - محركة: جمال الدنيا وبهجتها - لأنها تجمع ألوانا وأنواعا، ولعل منه الورقة، قال [في -] مختصر العين: إنها سواد في غبرة.

                                                                                                                                                                                                                                      وحمامة ورقاء - أي منه، وفي القاموس: والأورق من الإبل: ما في لونه بياض إلى سواد، ورأى رجل الغول على جمل أورق فقال: جاء بأم الربيق على أريق، [أي -] بالداهية العظيمة، صغر الأورق كسويد في أسود، والأصل وريق فقلبت واوه همزة، والأورق أيضا: الرماد وعام "لا مطر فيه واللبن ثلثاه ماء- كل ذلك جامع للونين فأكثر، والورق محركة أيضا من الكتاب والشجر معروف - لأنك لا [تكاد -] تحد واحدة منه على لون واحد، ولأنه يجمع الواحدة منه إلى الأخرى ويجمع معنى [ما -] يحمله، قال في مختصر العين: والورق: أدم [رقاق -] منه ورق المصحف، والورق أيضا: الخبط - [ ص: 34 ] لأنه لما كانت الإبل تعلفه كان كأنه هو الورق لا غيره، والورق: الحي من كل حيوان - لأن الحياة هي الجمال، وبها جماع الأمور، ولأن الورق دليل على حياة الحي من الشجر، فهو من إطلاق اسم الدال على المدلول، والورق أيضا: ما استدار من الدم على الأرض، أو ما سقط من الجراحة - لأن الاستدارة أجمع الأشكال، وهو تشبيه بورق الشجر في الشكل، والورق: المال من إبل ودراهم وغيرها - لأن جماع حياة الإنسان وكمالها بذلك كما أن كمال حياة الشجر بالورق، ولرعي المال من الحيوان الورق، والورق: حسن القوم وجمالهم - من ذلك، لأنه يجمع أمرهم ويجمع إليهم غيرهم، والورق [من القوم -]: أحداثهم أو الضعاف من الفتيان - تشبيه بالورق لأنه لا يقيم [غالبا-] أكثر من عام، ولأنه ضعيف في نفسه، وضعيف النفع بالنسبة إلى الثمر، والورقة - بهاء: الخسيس والكريم، ضد - للنظر تارة إلى كونه نافعا للمرعى ودالا على الحياة، وإلى كونه غير مقصود بالذات أخرى، ورجل ورق وامرأة ورقة: خسيسان أي لا ثمرة لهما، ومن ذلك أورق الصائد - إذا رمى فأخطأ أي لم يقع [ ص: 35 ] على غير الورق، أي لم تحصل له ثمرة، بل وقع على شجرة غير مثمرة، وكذا أورق القوم: أخفقوا في حاجتهم، أي رجعوا بلا ثمرة، ومن ذلك أيضا أورقوا: كثر مالهم ودراهمهم - ضد، هذا بالنظر إلى أن في الورق جمال الشجر وحياته، والتجارة مؤرقة للمال كمجلبة أي مكثرة; ومنه قول القزاز في ديوانه: هذا رجل مؤرق له دراهم، والمؤرق: الذي لا شيء له - ضد، أو أنه تارة يكون للإيجاب والصيرورة نحو أغد البعير، وتارة للسلب نحو أشكيته، والوراق ككتاب: وقت خروج [الورق -] من الشجر، وشجرة وريقة وورقة: كثيرة الورق، والوارقة: الشجرة الخضراء الورق الحسنته، والوراق - كسحاب: خضرة الأرض من الحشيش، وليس من الورق في شيء، وذلك أن تلك الخضرة لا تخلو عن لون آخر، والرقة - كعدة: أول نبات النصي والصليان وهما نباتان أفضل مراعي الإبل، لأنهما سبب لجمع المال للرعي، والرقة: الأرض التي يصيبها المطر في الصفرية - أي أول الخريف - أو في القيظ فتنبت [ ص: 36 ] فتكون خضراء - كأن ذلك النبات يكون أقل خضرة من نبات الربيع، ويكون اختلاطه لغيره من الألوان أكثر مما في الربيع، وفي القوس ورقة - بالفتح: عيب، والورقاء: الذئبة - من أجل أن الورق الخالي عن الثمر تقل الرغبة في شجره وهو دون المثمر، ولأن الورق مختلط اللون، والاختلاط في كل شيء عيب بالنسبة إلى الخالص، وتورقت الناقة: أكلت الورق. وقار الرجل يقور: مشى على أطراف قدميه لئلا يسمع صوتهما - لأن فاعل ذلك جدير بالوصول إلى ما أراد مما يجمع شمله، ومنه قار الصيد: ختله - لأن أهل الخداع أولى بالظفر، ألا ترى الأسود تصاد به، ولو غولبت عز أخذها، وقار الشيء: قطعه من وسطه خرقا مستديرا كقوره - لأن الثوب يصير بذلك الخرق يجمع [ما يراد -] منه، والاستدارة أجمع الأشكال كما سلف، والقوارة - كثمامة: ما قور من الثوب وغيره، أو يخص بالأديم، وما قطعت من جوانب الشيء، والشيء الذي قطع من جوانبه - ضد، وهو من تسمية [موضع -] الشيء باسمه، والقارة: الجبل الصغير الصلب المنقطع عن الجبال - لشدة اجتماع أجزائه بالصلابة [ ص: 37 ] واجتماعه في نفسه بانقطاعه عن غيره مما لو خالطه لفرقه، ولم يعرف حده على ما هو، والقارة: الصخرة العظيمة، والأرض ذات الحجارة السود - لاجتماعها في نفسها بتميزها عن غيرها [بتلك الحجارة -]، ودار قوراء: واسعة - تشبيها بقوارة الثوب، ولأنها كلما اتسعت كانت أجمع، والقار: الإبل أو القطيع الضخم منها، والاقورار: تشنج الجلد وانحناء الصلب هزالا وكبرا - لأن كلا من التشنج والانحناء اجتماع، والاقورار: الضمر - لأن الضامر اجتمعت أجزاؤه، والاقورار: السمن - ضد، لأن السمين جمع اللحم والشحم، والاقورار: ذهاب نبات الأرض - لأنها تصير بذلك قوراء فتصير أجدر بأن تسع الجموع، ويمكن أن يكون الاقورار كله من السلب إلا ما للسمن، والقور: القطن الحديث أو ما زرع من عامه [لأنه -] يلبس فيجمع البدن، ولقيت منه الأقورين - بكسر الراء، والأقوريات أي الدواهي القاطعة - تشبيها بما قور من الثوب، فهي للسلب، والقور - محركة: العين - لأن محلها يشبه القوارة، والمقور - كمعظم: المطلي بالقطران - لاجتماع أجزائه بذلك، واقتار: احتاج، أي صار أهلا لأن يجمع، [ ص: 38 ] وتقور الليل: تهور، أي مضى، من القطع، وتقورت الحية: تثنت أي تجمعت، والقار: شجر مر - كأنه الذي تطلى به السفن، وهذا أقير من هذا: أشد مرارة - لأن المرارة تجمع اللهوات عند الذوق، والقارة قبيلة - لأن ابن الشداخ أراد أن يفرقهم فقال شاعرهم:


                                                                                                                                                                                                                                      دعونا قارة لا تذعرونا ... فنجفل مثل إجفال الظليم



                                                                                                                                                                                                                                      فسموا القارة بهذا وكانوا رماة، وفي المثل: قد أنصف القارة من راماها.

                                                                                                                                                                                                                                      والرقوة: فويق الدعص من الرمل، ويقال رقو، بلا هاء - كأنه لجمعه الكثير من الرمل، أو لجمعه من يطلب الإشراف على الأماكن البعيدة بالعلو عليه لترويح النفس - والله الموفق.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية