الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      عسى ربكم أن يرحمكم بعد البعث الثاني إن تبتم وانزجرتم عن المعاصي وإن عدتم للإفساد بعد الذي تقدم منكم عدنا للعقوبة فعاقبناكم في الدنيا بمثل ما عاقبناكم به في المرتين الأوليين، وهذا من المقضي لهم في الكتاب أيضا وكذا الجملة الآتية، وقد عادوا بتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم وقصدهم قتله فعاد الله تعالى بتسليطه عليه الصلاة والسلام عليهم فقتل قريظة، وأجلى بني النضير، وضرب الجزية على الباقين، وقيل: عادوا فعاد الله تعالى بأن سلط عليهم الأكاسرة، ففعلوا بهم ما فعلوا من ضرب الإتاوة ونحو ذلك، والأول مروي عن الحسن وقتادة، والتعبير ب (أن) للإشارة إلى أنه لا ينبغي أن يعودوا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا قال ابن عباس وغيره: أي: سجنا، وأنشد في البحر قولة لبيد:


                                                                                                                                                                                                                                      ومقامة غلب الرقاب كأنهم جن على باب الحصير قيام



                                                                                                                                                                                                                                      فإن كان اسما للمكان المعروف فهو جامد لا يلزم تأنيثه وتذكيره، وإن كان بمعنى حاصر أي محيط بهم وفعيل بمعنى فاعل يلزم مطابقته، فعدم المطابقة هنا إما لأنه على النسب كلابن وتامر، أي: ذات حصر، وعلى ذلك خرج قوله تعالى: السماء منفطر به أي ذات انفطار أو لحمله على فعيل بمعنى مفعول وقيل: التذكير على تأويل جهنم بمذكر، وقيل: لأن تأنيثها ليس بحقيقي، نقل ذلك أبو البقاء وهو كما ترى.

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر وغيره عن الحسن أنه فسر ذلك بالفراش والمهاد، قال الراغب: كأنه جعل الحصير المرمول، وأطلق عليه ذلك لحصر بعض طاقاته على بعض، فحصير على هذا بمعنى محصور، وفي الكلام التشبيه البليغ، وجاء الحصير بمعنى السلطان، وأنشد الراغب في ذلك البيت السابق ثم قال: وتسميته بذلك إما لكونه محصورا نحو محجب، وإما لكونه حاصرا أي: مانعا لمن أراد أن يمنعه من الوصول إليه اه.

                                                                                                                                                                                                                                      وحمل ما في الآية [ ص: 22 ] على ذلك مما لم أر من تعرض له، والحمل عليه في غاية البعد؛ فلا ينبغي أن يحمل عليه، وإن تضمن معنى لطيفا يدرك بالتأمل، وكان الظاهر أن يقال: (لكم) بدل (للكافرين) إلا أنه عدل عنه تسجيلا على كفرهم بالعود، وذما لهم بذلك وإشعارا بعلة الحكم

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية