الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              1216 [ ص: 490 ] 26 - باب: إذا لم يوجد إلا ثوب واحد

                                                                                                                                                                                                                              1275 - حدثنا محمد بن مقاتل ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا شعبة ، عن سعد بن إبراهيم ، عن أبيه إبراهيم ، أن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - أتي بطعام وكان صائما ، فقال : قتل مصعب بن عمير وهو خير مني ، كفن في بردة ، إن غطي رأسه بدت رجلاه ، وإن غطي رجلاه بدا رأسه -وأراه قال :- وقتل حمزة وهو خير مني ، ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط -أو قال : أعطينا من الدنيا ما أعطينا- وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا . ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام . [انظر : 1274 - فتح: 3 \ 142] .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الشرح :

                                                                                                                                                                                                                              هذه الترجمة رواها ابن أبي حاتم قال : سألت أبي عن حديث ثمامة البصري ، عن أبي الزبير ، عن جابر : الكفن من جميع المال ، فقال : حديث منكر .

                                                                                                                                                                                                                              وإبراهيم بن سعد هذا هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، روى عن أبيه ، عن جده ، عن عبد الرحمن ، جد أبيه ، ولإبراهيم هذا ابن يسمى يعقوب ، ثقة ، فهم خمسة من نسق فقهاء ثقات .

                                                                                                                                                                                                                              وهو دال على ما بوب له البخاري ، ونقله في بعض نسخه عن الحميدي أن الكفن من رأس المال وقد سلف ما فيه ، وهو قول الجمهور ، والحجة لهم أن مصعب بن عمير وحمزة لم يوجد لكل واحد منهما ما يكفن فيه إلا بردة قصيرة فكفنه فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يلتفت إلى غريم ، ولا إلى وصية ولا إلى وارث ، وبداه على ذلك كله .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 491 ] وفي "صحيح الحاكم " من حديث أنس أنه - صلى الله عليه وسلم - مر على حمزة وقد جدع فقال : "لولا أن تجد صفية تركته حتى يحشره الله تعالى من بطون الوحش والطير " وكفنه في نمرة إذا خمر رأسه بدت رجلاه وإذا خمرت رجلاه بدا رأسه .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه : جواز التكفين في ثوب واحد عند عدم غيره ، كما ترجم له بعد ، والأصل : ستر العورة ، وإنما استحب لهما - صلى الله عليه وسلم - التكفين في تلك الثياب التي ليست بسابغة ; لأنهم فيها قتلوا وفيها يبعثون إن شاء الله .

                                                                                                                                                                                                                              وكفن المرأة من مالها عند الشعبي وأحمد ، وعندنا : على الزوج على اضطراب فيه . وللمالكية ثلاثة أقوال : ثالثها : إن كانت فقيرة فعلى الزوج ، وفي كفن من تجب نفقته كالأب والابن قولان لهم ولو سرق بعد دفنه فثالثها لهم . إن لم يقسم مالها أعيد .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 492 ] ومصعب هذا أول من هاجر إلى المدينة ، وكان يقرئهم القرآن ، وذكر البخاري في المناقب باب : مصعب بن عمير ، ولم يذكر فيه شيئا وكأنه أحال على ما ذكره هنا لشهرته .

                                                                                                                                                                                                                              والبردة : النمرة كالمئزر ربما ائتزر به وربما ارتدي ، وربما كان لأحدهم بردتان ، يأتزر بإحداهما ويرتدى بالأخرى ، وربما كانت كبيرة ، وقيل : النمرة كل شملة مخططة من مآزر الأعراب .

                                                                                                                                                                                                                              وقال القتبي : هي بردة يلبسها الإماء . وقال ثعلب : هو ثوب مخطط تلبسه العجوز . وقيل : كساء ، وقال القزاز : هي دراعة تلبس أو تجعل على الرأس فيها لونان : سواد وبياض .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه : أن العالم يذكر سير الصالحين ، وتقللهم من الدنيا ; لتقل رغبتهم فيها ، ويبكي من تأخر لحاقه بالأخيار ، ويشفق من ذلك ; ألا ترى أنه بكى وترك الطعام .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه : أنه ينبغي للمرء أيضا أن يتذكر نعم الله عنده ، ويعترف بالتقصير عن أداء شكره ، ويتخوف أن يقاص بها في الآخرة ، ويذهب سعيه فيها ، وبكاء عبد الرحمن -وإن كان أحد العشرة المشهود لهم بالجنة- هو ما كانت عليه الصحابة من الإشفاق والخوف من التأخر عن اللحاق بالدرجات العلى وطول الحساب .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية