الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 671 ] ثم دخلت سنة ثنتين وتسعين وخمسمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      في رجب منها أقبل العزيز صحبة عمه الملك العادل في عساكر ، فدخلا دمشق قهرا ، وأخرجا منها الأفضل ووزيره الذي أساء تدبيره ، وصلى العزيز عند تربة والده الملك الناصر صلاح الدين ، وخطب له بدمشق ، ودخل إلى القلعة المنصورة وجلس في دار العدل للحكم والفصل ، كل هذا وأخوه الأفضل حاضر عنده في الخدمة ، وأمر القاضي محيي الدين بن الزكي بتأسيس االمدرسة العزيزية إلى جانب تربة أبيه ، وكانت دارا للأمير عز الدين شامة ، ثم استناب على دمشق عمه الملك العادل ، ورجع إلى مصر يوم الاثنين تاسع شعبان ، والسكة والخطبة له ، وصولح الأفضل عن دمشق على صرخد وهرب وزيره ابن الأثير االجزري إلى جزيرته ، وقد أتلف نفسه وملكه بجريرته ، وانتقل الأفضل إلى صرخد بأهله وأولاده وأخيه قطب الدين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه السنة هبت ريح شديدة سوداء مدلهمة بأرض العراق ، ومعها رمل أحمر ، حتى احتاج الناس إلى السرج بالنهار ، وفيها ولي قوام الدين أبو طالب يحيى بن سعيد بن زيادة كتاب الإنشاء ببغداد ، وكان بليغا ، وليس هو كالفاضل ، وفيها درس مجير الدين أبو القاسم محمود بن المبارك بالنظامية ، [ ص: 672 ] وكان فاضلا مناظرا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها قتل رئيس الشافعية بأصبهان صدر الدين محمد بن عبد اللطيف بن محمد بن عبد اللطيف بن ثابت الخجندي ، قتله فلك الدين سنقر الطويل ، وكان ذلك سبب زوال ملك أصبهان عن الديوان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها مات الوزير ; وزير الخلافة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      مؤيد الدين أبو الفضل

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      محمد بن علي بن القصاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ، وكان أبوه يبيع اللحم في بعض أسواق بغداد ، فتقدم وساد أهل زمانه ، وكانت وفاته بهمذان وقد أعاد رساتيق كثيرة من بلاد العراق وخراسان وغيرها إلى ديوان الخلافة ، وكان ناهضا ذا همة عالية ، وله صرامة وشهامة وشعر جيد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها توفي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الفخر محمود بن علي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      النوقاني
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشافعي ، عائدا من الحج .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      والشاعر : أبو الغنائم محمد بن علي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ابن المعلم الهرثي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      من قرى واسط ، عن إحدى وتسعين سنة ، وكان شاعرا فصيحا ، وكان ابن الجوزي يستشهد في [ ص: 673 ] مجالسه بشيء من لطائف أشعاره ، وقد أورد ابن الساعي قطعة جيدة من شعره الحسن المليح .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها توفي الفقيه أبو الحسن علي بن سعيد بن الحسن البغدادي المعروف بابن العريف .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ويلقب بالبيع الفاسد ، كان حنبليا ثم اشتغل شافعيا على أبي القاسم بن فضلان ، وهو الذي لقبه بذلك لكثرة تكراره على هذه المسألة بين الشافعية والحنفية ، ويقال : إنه صار بعد هذا كله إلى مذهب الإمامية ، فالله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها توفي الشيخ أبو شجاع

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      محمد بن علي بن شعيب بن الدهان الفرضي الحاسب المؤرخ البغدادي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ، قدم دمشق وامتدح الشيخ أبا اليمن الكندي زيد بن الحسن فقال :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يا زيد زادك ربي من مواهبه نعماء يقصر عن إدراكها الأمل     لا بدل الله حالا قد حباك بها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ما دار بين النحاة الحال والبدل     النحو أنت أحق العالمين به
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أليس باسمك فيه يضرب المثل

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية