الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        قسمة المتشابهات هل هي بيع أم إفراز حق ؟ قولان ، قال البغوي وآخرون : الأظهر كونها بيعا ، وقال الغزالي : الأظهر كونها إفرازا ، قال صاحب العدة : وعليه الفتوى ، وهذا يوافقه جواب الأصحاب في مسائل متفرقة تتفرع على القولين .

                                                                                                                                                                        قلت : أشار الرافعي في " المحرر " إلى اختيار الإفراز ، فإنه قال فيه قولان ذكر أن الفتوى على الإفراز هذا كلامه ، فالمختار ترجيح الإفراز . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ثم قيل : القولان فيما إذا جرت القسمة إجبارا ، فإن جرت [ ص: 215 ] بالتراضي فبيع قطعا . وقيل القولان في الحالين ، قال البغوي : والأصح الطريق الأول ، ثم القول بأنها بيع لا يمكن إطلاقه في كل ما حصل لكل منهما ، بل النصف الذي صار في يده ، كان نصفه له ، ونصفه لصاحبه ، فالقسمة إفراز فيما كان لصاحبه على هذا القول . وأما قسمة التعديل ، فالمذهب أنها بيع ، وقيل فيه القولان ، وقسمة الرد بيع ، كذا قاله الجمهور ، وقيل : بيع فيما يقابل المردود ، وفيما سواه الخلاف في قسمة التعديل .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا قلنا : القسمة بيع ، فاقتسما ربويا ، وجب التقابض في المجلس ، ولم تجز قسمة المكيل وزنا ولا العكس ، ولا يجوز قسمة الرطب والعنب ، وما أثرت فيه النار بتعقيد الأجزاء ، وإن قلنا : إفراز جاز كل ذلك . وتجوز قسمة الجص والنورة كيلا ووزنا على القولين ، ولا تقسم الثمار على رءوس الشجر خرصا إن قلنا : القسمة بيع ، كما لا تباع خرصا ، وإن قلنا : إفراز ، فإن كانت رطبا وعنبا ، جاز ، وإن كان غيرهما ، فلا ؛ لأن الخرص لا يدخل غيرهما ، وإن كان بينهما أرض مزروعة ، فأرادا قسمة الأرض وحدها ، جاز ، وإن طلبها أحدهما أجبر الآخر ، ويجيء على قول : القسمة بيع وجه مذكور في البيع ، وإن أرادا قسمة الأرض وما فيها لم يجز إن اشتد الحب .

                                                                                                                                                                        أما إن جعلناها إفرازا ، فلأنه قسمة مجهول ومعلوم ، وأما إن جعلناها بيعا فلأنه بيع طعام وأرض بطعام وأرض ، وكذا لو كان بذرا بعد ، وإن كان قصيلا ، جاز ؛ لأنه معلوم مشاهد . وإن أرادا قسمة ما فيها وحده ، فكذا الحكم إن لم ينبت ، أو اشتد الحب ، لم يجز ، وإن كان [ ص: 216 ] قصيلا ، جاز . وإن طلب أحدهما قسمة الأرض ، وما فيها أو قسمة ما فيها وحده ، وامتنع الآخر والحال حال جواز القسمة بالتراضي ، قال الشيخ أبو حامد وصاحبا " المهذب " و " التهذيب " : لا يجبر الممتنع ، ولم يوجهوه بمقنع .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        اقتسما ، ثم تقابلا ، إن قلنا : القسمة بيع ، صحت الإقالة ، وعاد الشيوع ، وإلا فهي لاغية .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قسمة الملك عن الوقف إن قلنا : بيع ، لا يجوز ، وإن قلنا : إفراز ، جازت ، قال الروياني : وهو الاختيار .

                                                                                                                                                                        قلت : هذا الذي اختاره الروياني هو المختار ، وهذا إذا لم يكن فيها رد ، أو كان رد من أصحاب الوقف ، فإن كان من صاحب الملك ، لم يجز ؛ لأنه يأخذ بإزائه جزءا من الوقف ، ذكره صاحب " المهذب " وغيره . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وأما قسمة الوقف بين الموقوف عليهم ، فلا يجوز على القولين ؛ لأن فيها تغيير شرط الواقف ، وقيل : يجوز على قول الإفراز ليرغبوا في العمارة ولا يتواكلوا ، وهذا الوجه حكاه ابن كج عن ابن القطان وحده ، وخصصه بقولنا : الملك في الموقوف للموقوف عليه ، قال : فلو انقرض البطن الأول ، وصار الوقت للبطن الثاني ، انتقضت القسمة .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية