الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ أله ]

                                                          أله : الإله : الله - عز وجل - ، وكل ما اتخذ من دونه معبودا إله عند متخذه ، والجمع آلهة . والآلهة : الأصنام ، سموا بذلك لاعتقادهم أن العبادة تحق لها ، وأسماؤهم تتبع اعتقاداتهم لا ما عليه الشيء في نفسه ، وهو بين الإلهة والألهانية . وفي حديث وهيب بن الورد : إذا وقع العبد في ألهانية الرب ، ومهيمنية الصديقين ، ورهبانية الأبرار لم يجد أحدا يعجبه يأخذ بقلبه ، أي لم يجد أحدا يعجبه ولم يحب إلا الله سبحانه ، قال ابن الأثير : هو مأخوذ من إله ، وتقديرها فعلانية ، بالضم ، تقول إله بين الإلهية والألهانية ، وأصله من أله يأله إذا تحير ، يريد إذا وقع العبد في عظمة الله وجلاله وغير ذلك من صفات الربوبية وصرف وهمه إليها ، أبغض الناس حتى لا يميل قلبه إلى أحد . الأزهري : قال الليث : بلغنا أن اسم الله الأكبر هو الله لا إله إلا هو وحده ، قال : وتقول العرب لله ما فعلت ذاك ، يريدون والله ما فعلت . قال الخليل : الله لا تطرح الألف من الاسم إنما هو الله - عز ذكره - على التمام ; قال : وليس هو من الأسماء التي يجوز منها اشتقاق فعل كما يجوز في الرحمن والرحيم . وروى المنذري عن أبي الهيثم أنه سأله عن اشتقاق اسم الله - تعالى - في اللغة ، فقال : كان حقه إلاه ، أدخلت الألف واللام ، تعريفا فقيل ألإلاه ، ثم حذفت العرب الهمزة استثقالا لها ، فلما تركوا الهمزة حولوا كسرتها في اللام التي هي لام التعريف ، وذهبت الهمزة أصلا فقالوا أللاه ، فحركوا لام التعريف التي لا تكون إلا ساكنة ، ثم التقى لامان متحركتان فأدغموا الأولى في الثانية ، فقالوا : الله ، كما قال الله - عز وجل - : لكنا هو الله ربي ; معناه لكن أنا ، ثم إن العرب لما سمعوا اللهم جرت في كلام الخلق توهموا أنه إذا ألقيت الألف واللام من الله كان الباقي لاه ، فقالوا لاهم ; وأنشد :


                                                          لاهم أنت تجبر الكسيرا أنت وهبت جلة جرجورا



                                                          ويقولون : لاه أبوك ، يريدون الله أبوك ، وهي لام التعجب ; وأنشد لذي الإصبع :


                                                          لاه ابن عمي ما يخا     ف الحادثات من العواقب



                                                          قال أبو الهيثم : وقد قالت العرب بسم الله بغير مدة اللام وحذف مدة لاه ; وأنشد :


                                                          أقبل سيل جاء من أمر الله     يحرد حرد الجنة المغله



                                                          وأنشد :


                                                          لهنك من عبسية لوسيمة     على هنوات كاذب من يقولها



                                                          إنما هو لله إنك ، فحذف الألف واللام فقال لاه إنك ، ثم ترك همزة إنك ، فقال لهنك ; وقال الآخر :


                                                          أبائنة سعدى نعم وتماضر     لهنا لمقضي علينا التهاجر



                                                          يقول : لاه إنا ، فحذف مدة لاه وترك همزة إنا ، كقوله :


                                                          لاه ابن عمك والنوى يعدو



                                                          ، وقال الفراء في قول الشاعر لهنك : أراد لأنك فأبدل الهمزة هاء مثل هراق الماء وأراق ، وأدخل اللام في " إن " لليمين ، ولذلك أجابها باللام في لوسيمة ، قال أبو زيد : قال لي الكسائي : ألفت كتابا في معاني القرآن ، فقلت له : أسمعت الحمد لاه رب العالمين ؟ فقال : لا ، فقلت : اسمعها . قال الأزهري : ولا يجوز في القرآن إلا الحمد لله بمدة اللام ، وإنما يقرأ ما حكاه أبو زيد الأعراب ومن لا يعرف سنة القرآن . قال أبو الهيثم : فالله أصله إلاه ، قال الله - عز وجل - : ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق . قال : ولا يكون إلها حتى يكون معبودا ، وحتى يكون لعابده خالقا ورازقا ومدبرا ، وعليه مقتدرا فمن لم يكن كذلك فليس بإله ، وإن عبد ظلما ، بل هو مخلوق ومتعبد . قال : وأصل إله ولاه فقلبت الواو همزة كما قالوا للوشاح إشاح وللوجاح - وهو الستر - إجاح ، ومعنى ولاه أن الخلق يولهون إليه في حوائجهم ، ويضرعون إليه فيما يصيبهم ، ويفزعون إليه في كل ما ينوبهم ، كما يوله كل طفل إلى أمه . وقد سمت العرب الشمس لما عبدوها إلاهة . والألهة : الشمس الحارة ; وحكي عن ثعلب ، والأليهة والألاهة والإلاهة وألاهة كله الشمس اسم لها ، الضم في أولها عن ابن الأعرابي ; قالت مية بنت أم عتبة بن الحارث كما قال ابن بري :


                                                          تروحنا من اللعباء عصرا     فأعجلنا الإلهة أن تئوبا
                                                          على مثل ابن مية فانعياه     تشق نواعم البشر الجيوبا



                                                          قال ابن بري : وقيل هو لبنت عبد الحارث اليربوعي ، ويقال لنائحة عتيبة بن الحارث قال : وقال أبو عبيدة هو لأم البنين بنت عتيبة بن الحارث ترثيه ; قال ابن سيده : ورواه ابن الأعرابي ألاهة ، قال : ورواه بعضهم فأعجلنا الألاهة يصرف ولا يصرف . غيره : وتدخلها الألف واللام ولا تدخلها ، وقد جاء على هذا غير شيء من دخول لام المعرفة الاسم مرة وسقوطها أخرى . قالوا : لقيته الندرى وفي ندرى ، وفينة والفينة بعد الفينة ، ونسر والنسر اسم صنم ، فكأنهم سموها الإلهة لتعظيمهم لها وعبادتهم إياها ، فإنهم كانوا يعظمونها ويعبدونها ، وقد أوجدنا الله - عز وجل - ذلك في كتابه حين قال : ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون . ابن سيده : والإلاهة والألوهة والألوهية العبادة . ، وقد قرئ : ويذرك وآلهتك ، وقرأ ابن [ ص: 140 ] عباس : ( ويذرك وإلاهتك ) بكسر الهمزة أي ، وعبادتك ; وهذه الأخيرة عند ثعلب كأنها هي المختارة ، قال : لأن فرعون كان يعبد ولا يعبد ، فهو على هذا ذو إلاهة لا ذو آلهة ، والقراءة الأولى أكثر والقراء عليها . قال ابن بري : يقوي ما ذهب إليه ابن عباس في قراءته : ( ويذرك وإلاهتك ) ، قول فرعون : أنا ربكم الأعلى وقوله : ما علمت لكم من إله غيري ; وبهذا قال - سبحانه - : فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ; وهو الذي أشار إليه الجوهري بقوله عن ابن عباس : إن فرعون كان يعبد . ويقال : إله بين الإلهة والألهانية . وكانت العرب في الجاهلية يدعون معبوداتهم من الأوثان والأصنام آلهة ، وهي جمع إلاهة ; قال الله - عز وجل - : ويذرك وآلهتك ، وهي أصنام عبدها قوم فرعون معه . والله : أصله إلاه ، على فعال بمعنى مفعول ، لأنه مألوه أي معبود ، كقولنا إمام فعال بمعنى مفعول لأنه مؤتم به ، فلما أدخلت عليه الألف واللام حذفت الهمزة تخفيفا لكثرته في الكلام ، ولو كانتا عوضا منها لما اجتمعتا مع المعوض منه في قولهم الإلاه ، وقطعت الهمزة في النداء للزومها تفخيما لهذا الاسم . قال الجوهري : وسمعت أبا علي النحوي يقول إن الألف واللام عوض منها ، قال : ويدل على ذلك استجازتهم لقطع الهمزة الموصولة الداخلة على لام التعريف في القسم والنداء ، وذلك قولهم : أفألله لتفعلن ويا ألله اغفر لي ، ألا ترى أنها لو كانت غير عوض لم تثبت كما لم تثبت في غير هذا الاسم ؟ قال : ولا يجوز أيضا أن يكون للزوم الحرف لأن ذلك يوجب أن تقطع همزة الذي والتي ، ولا يجوز أيضا أن يكون لأنها همزة مفتوحة وإن كانت موصولة كما لم يجز في : ايم الله وايمن الله التي هي همزة وصل ، فإنها مفتوحة ، قال : ولا يجوز أيضا أن يكون ذلك لكثرة الاستعمال ، لأن ذلك يوجب أن تقطع الهمزة أيضا في غير هذا مما يكثر استعمالهم له ، فعلمنا أن ذلك لمعنى اختصت به ليس في غيرها ، ولا شيء أولى بذلك المعنى من أن يكون المعوض من الحرف المحذوف الذي هو الفاء ، وجوز سيبويه أن يكون أصله لاها على ما نذكره . قال ابن بري عند قول الجوهري : ولو كانتا عوضا منها لما اجتمعتا مع المعوض عنه في قولهم الإله ، قال : هذا رد على أبي علي الفارسي لأنه كان يجعل الألف واللام في اسم الباري - سبحانه - عوضا من الهمزة ، ولا يلزمه ما ذكره الجوهري من قولهم الإله ، لأن اسم الله لا يجوز فيه الإله ، ولا يكون إلا محذوف الهمزة ، تفرد - سبحانه - بهذا الاسم لا يشركه فيه غيره ، فإذا قيل : الإلاه انطلق على الله - سبحانه - وعلى ما يعبد من الأصنام ، وإذا قلت : الله لم ينطلق إلا عليه - سبحانه وتعالى - ؛ ولهذا جاز أن ينادى اسم الله ، وفيه لام التعريف وتقطع همزته ، فيقال يا ألله ، ولا يجوز يالإله على وجه من الوجوه مقطوعة همزته ولا موصولة . قال : وقيل في اسم الباري - سبحانه - إنه مأخوذ من أله يأله إذا تحير ، لأن العقول تأله في عظمته . وأله يأله ألها أي تحير ، وأصله وله يوله ولها . وقد ألهت على فلان أي اشتد جزعي عليه ، مثل ولهت ، وقيل : هو مأخوذ من أله يأله إلى كذا أي لجأ إليه لأنه - سبحانه - المفزع الذي يلجأ إليه في كل أمر ; قال الشاعر :


                                                          ألهت إلينا والحوادث جمة



                                                          ، قال آخر :


                                                          ألهت إليها والركائب وقف



                                                          والتأله : التنسك والتعبد . والتأليه : التعبيد ; قال :


                                                          لله در الغانيات المده      ! سبحن واسترجعن من تألهي



                                                          ابن سيده : قالوا يا ألله فقطعوا ، قال : حكاه سيبويه ، وهذا نادر . وحكى ثعلب أنهم يقولون : يا الله ، فيصلون وهما لغتان يعني القطع والوصل ; وقول الشاعر :


                                                          إني إذا ما حدث ألما     دعوت يا اللهم يا اللهما



                                                          فإن الميم المشددة بدل من يا ، فجمع بين البدل والمبدل منه ; وقد خففها الأعشى فقال :


                                                          كخلفة من أبي رباح     يسمعها لاهم الكبار



                                                          وإنشاد العامة :


                                                          يسمعها لاهه الكبار



                                                          قال : وأنشده الكسائي :


                                                          يسمعها الله والله كبار



                                                          الأزهري : أما إعراب اللهم فضم الهاء وفتح الميم لا اختلاف فيه بين النحويين في اللفظ ، فأما العلة والتفسير فقد اختلف فيه النحويون ، فقال الفراء : معنى اللهم يا ألله أم بخير ، قال الزجاج : هذا إقدام عظيم لأن كل ما كان من هذا الهمز الذي طرح فأكثر الكلام الإتيان به . يقال : ويل أمه وويل امه ، والأكثر إثبات الهمزة ، ولو كان كما قال هذا القائل لجاز الله أومم والله أم ، وكان يجب أن يلزمه يا لأن العرب تقول يا ألله اغفر لنا ، ولم يقل أحد من العرب إلا اللهم ، ولم يقل أحد يا اللهم ، قال الله - عز وجل - : قل اللهم فاطر السماوات والأرض فهذا القول يبطل من جهات : إحداها أن " يا " ليست في الكلام ، والأخرى أن هذا المحذوف لم يتكلم به على أصله كما تكلم بمثله ، وأنه لا يقدم أمام الدعاء هذا الذي ذكره ; قال الزجاج : وزعم الفراء أن الضمة التي هي في الهاء ضمة الهمزة التي كانت في أم وهذا محال أن يترك الضم الذي هو دليل على نداء المفرد ، وأن يجعل في اسم الله ضمة أم ، هذا إلحاد في اسم الله ، قال : وزعم الفراء أن قولنا هلم مثل ذلك أن أصلها هل أم ، وإنما هي لم وها التنبيه ، قال : قال الفراء إن " يا " قد يقال مع اللهم فيقال يا أللهم ، واستشهد بشعر لا يكون مثله حجة :


                                                          وما عليك أن تقولي كلما     صليت أو سبحت : يا أللهما
                                                          اردد علينا شيخنا مسلما



                                                          قال أبو إسحاق : وقال الخليل و سيبويه وجميع النحويين الموثوق بعلمهم : اللهم بمعنى يا ألله ، وإن الميم المشددة عوض من يا ، لأنهم لم [ ص: 141 ] يجدوا يا مع هذه الميم في كلمة واحدة ، ووجدوا اسم الله مستعملا بيا إذا لم يذكروا الميم في آخر الكلمة ، فعلموا أن الميم في آخر الكلمة بمنزلة يا في أولها ، والضمة التي هي في الهاء هي ضمة الاسم المنادى المفرد ، والميم مفتوحة لسكونها وسكون الميم قبلها ; الفراء : ومن العرب من يقول إذا طرح الميم يا ألله اغفر لي ، بهمزة ، ومنهم من يقول يا الله بغير همز ، فمن حذف الهمزة فهو على السبيل ، لأنها ألف ولام مثل لام الحارث من الأسماء وأشباهه . ومن همزها توهم الهمزة من الحرف إذ كانت لا تسقط منه الهمزة ; وأنشد :


                                                          مبارك هو ومن سماه     على اسمك اللهم يا ألله



                                                          قال : وكثرت اللهم في الكلام حتى خففت ميمها في بعض اللغات . قال الكسائي : العرب تقول يا ألله اغفر لي ، ويلله اغفر لي ، قال : وسمعت الخليل يقول : يكرهون أن ينقصوا من هذا الاسم شيئا يا ألله أي لا يقولون يله . الزجاج في قوله تعالى : قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا ، ذكر سيبويه أن اللهم كالصوت ، وأنه لا يوصف ، وأن ربنا منصوب على نداء آخر ; الأزهري : وأنشد قطرب :


                                                          إني إذا ما معظم ألما     أقول يا اللهم يا اللهما



                                                          قال : والدليل على صحة قول الفراء وأبي العباس في اللهم أنه بمعنى يا ألله أم ، إدخال العرب يا على اللهم ; وقول الشاعر :


                                                          ألا لا بارك الله في سهيل     إذا ما الله بارك في الرجال



                                                          إنما أراد الله فقصر ضرورة . والإلاهة : الحية العظيمة ; عن ثعلب ، وهي الهلال . والإلاهة : اسم موضع بالجزيرة ; قال الشاعر :


                                                          كفى حزنا أن يرحل الركب غدوة     وأصبح في عليا إلاهة ثاويا



                                                          وكان قد نهسته حية . قال ابن بري : قال بعض أهل اللغة : الرواية " وأترك في عليا ألاهة " ، بضم الهمزة ، قال : وهي مغارة سماوة كلب ; قال ابن بري : وهذا هو الصحيح لأن بها دفن قائل هذا البيت ، وهو أفنون التغلبي ، واسمه صريم بن معشر ; وقبله :


                                                          لعمرك ما يدري الفتى كيف يتقي     إذا هو لم يجعل له الله واقيا



                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية