الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج

عطف على جملة فإنا خلقناكم من تراب ، والخطاب لغير معين فيعم كل من يسمع هذا الكلام . [ ص: 203 ] وهذا ارتقاء في الاستدلال على الإحياء بعد الموت بقياس التمثيل لأنه استدلال بحالة مشاهدة فلذلك افتتح بفعل الرؤية . بخلاف الاستدلال بخلق الإنسان فإن مبدأه غير مشاهد فقيل في شأنه فإنا خلقناكم من تراب الآية . ومحل الاستدلال من قوله تعالى فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت . فهو مناسب قوله في الاستدلال الأول فإنا خلقناكم من تراب ، فهمود الأرض بمنزلة موت الإنسان واهتزازها وإنباتها بعد ذلك يماثل الإحياء بعد الموت .

والهمود : قريب من الخمود . فهمود الأرض جفافها وزوال نبتها ، وهمود النار خمودها .

والاهتزاز : التحرك إلى أعلى ، فاهتزاز الأرض تمثيل لحال ارتفاع ترابها بالماء وحال ارتفاع وجهها بما عليه من العشب بحال الذي يهتز ويتحرك إلى أعلى .

وربت : حصل لها ربو بضم الراء وضم الموحدة وهو ازدياد الشيء ؛ يقال : ربا يربو ربوا ، وفسر هنا بانتفاخ الأرض من تفتق النبت والشجر . وقرأ أبو جعفر وربأت بهمزة مفتوحة بعد الموحدة ، أي ارتفعت . ومنه قولهم : ربأ بنفسه عن كذا ، أي ارتفع مجازا ، وهو فعل مشتق من اسم الربيئة وهو الذي يعلو ربوة من الأرض لينظر هل من عدو يسير إليهم .

والزوج : الصنف من الأشياء . أطلق عليه اسم الزوج تشبيها له بالزوج من الحيوان وهو صنف الذكر وصنف الأنثى . لأن كل فرد من أحد الصنفين يقترن بالفرد من الصنف الآخر فيصير زوجا فيسمى كل واحد منهما زوجا بهذا المعنى ، ثم شاع إطلاقه على أحد الصنفين ، ثم أطلق على كل نوع وصنف وإن لم يكن ذكرا ولا أنثى . فأطلق هنا على أنواع النبات .

[ ص: 204 ] والبهيج : الحسن المنظر السار للناظر . وقد سيق هذا الوصف إدماجا للامتنان في أثناء الاستدلال امتنانا بجمال صورة الأرض المنبتة ، لأن كونه بهيجا لا دخل له في الاستدلال ، فهو امتنان محض كقوله تعالى ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون وقوله تعالى ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح .

التالي السابق


الخدمات العلمية