الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون ( 165 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : فلما تركت الطائفة التي اعتدت في السبت ما أمرها الله به من ترك الاعتداء فيه ، وضيعت ما وعظتها الطائفة الواعظة وذكرتها به ، من تحذيرها عقوبة الله على معصيتها ، فتقدمت على استحلال ما حرم الله عليها أنجى الله الذين ينهون منهم عن "السوء" يعني عن معصية الله ، واستحلال حرمه " وأخذنا الذين ظلموا " ، يقول : وأخذ الله الذين اعتدوا في السبت ، فاستحلوا فيه ما حرم الله من صيد السمك وأكله ، فأحل بهم بأسه ، وأهلكهم بعذاب شديد بئيس بما كانوا يخالفون أمر الله ، فيخرجون من طاعته إلى معصيته ، وذلك هو "الفسق" .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

15287 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا ابن جريج في قوله : " فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء " ، قال : فلما نسوا موعظة المؤمنين إياهم ، الذين قالوا : " لم تعظون قوما " . [ ص: 200 ]

15288 - حدثني محمد بن المثنى قال ، حدثنا حرمي قال ، حدثني شعبة قال ، أخبرني عمارة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : " أنجينا الذين ينهون عن السوء " قال : يا ليت شعري ، ما السوء الذي نهوا عنه؟

وأما قوله : "بعذاب بئيس" ، فإن القرأة اختلفت في قراءته .

فقرأته عامة قرأة أهل المدينة : ( بعذاب بيس ) بكسر الباء وتخفيف الياء ، بغير همز ، على مثال "فعل" .

وقرأ ذلك بعض قرأة الكوفة والبصرة : ( بعذاب بئيس ) على مثال "فعيل" ، من "البؤس" ، بنصب الباء وكسر الهمزة ومدها .

وقرأ ذلك كذلك بعض المكيين ، غير أنه كسر باء : ( بئيس ) على مثال "فعيل" .

وقرأه بعض الكوفيين : ( بيئس ) بفتح الباء وتسكين الياء ، وهمزة بعدها مكسورة ، على مثال "فيعل" .

وذلك شاذ عند أهل العربية ، لأن "فيعل" إذا لم يكن من ذوات الياء والواو ، فالفتح في عينه الفصيح في كلام العرب ، وذلك مثل قولهم في نظيره من السالم : "صيقل ، ونيرب" ، وإنما تكسر العين من ذلك في ذوات الياء والواو كقولهم : "سيد" و"ميت" ، وقد أنشد بعضهم قول امرئ القيس بن عابس الكندي :


كلاهما كان رئيسا بيئسا يضرب في يوم الهياج القونسا

[ ص: 201 ]

بكسر العين من "فيعل" ، وهي الهمزة من "بيئس" ، فلعل الذي قرأ ذلك كذلك قرأه على هذه .

وذكر عن آخر من الكوفيين أيضا أنه قرأه : ( بيئس ) ، نحو القراءة التي ذكرناها قبل هذه ، وذلك بفتح الباء وتسكين الياء وفتح الهمزة بعد الياء ، على مثال "فيعل" مثل "صيقل" .

وروي عن بعض البصريين أنه قرأه : ( بئس ) بفتح الباء وكسر الهمزة ، على مثال "فعل" ، كما قال ابن قيس الرقيات :


ليتني ألقى رقية في     خلوة من غير ما بئس



وروي عن آخر منهم أنه قرأ : ( بئس ) بكسر الباء وفتح السين ، على معنى : بئس العذاب .

قال أبو جعفر : وأولى هذه القراءات عندي بالصواب ، قراءة من قرأه : ( بئيس ) بفتح الباء ، وكسر الهمزة ومدها ، على مثال "فعيل" ، كما قال ذو الإصبع العدواني :

حنقا علي ، وما ترى     لي فيهم أثرا بئيسا


[ ص: 202 ] لأن أهل التأويل أجمعوا على أن معناه : شديد ، فدل ذلك على صحة ما اخترنا .

ذكر من قال ذلك :

15289 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا ابن جريج قال ، أخبرني رجل عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : " وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس " ، : أليم وجيع .

15290 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " بعذاب بئيس " ، قال : شديد .

15291 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " بعذاب بئيس " ، أليم شديد .

15292 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : " بعذاب بئيس " قال : موجع .

15293 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : "بعذاب بئيس" ، قال : بعذاب شديد . [ ص: 203 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية