الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب إيجاب الحد بقذف الزوج وأن اللعان يسقطه 2910 - ( عن ابن عباس { : أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك ابن سحماء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : البينة أو حد في ظهرك ، فقال : يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة ؟ فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول : البينة وإلا حد في ظهرك . فقالهلال : والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد ، فنزل جبريل وأنزل عليه { والذين يرمون أزواجهم } فقرأ حتى بلغ { إن كان من الصادقين } فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليهما . فجاء هلال ، فشهدوا النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله يعلم أن أحدكما كاذب ، فهل منكما تائب ؟ ثم قامت فشهدت ، فلما كان عند الخامسة وقفوها ، فقالوا : إنها موجبة ، فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : انظروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين ، خدلج الساقين فهو لشريك ابن سحماء . فجاءت به كذلك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن } رواه الجماعة إلا مسلما والنسائي )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            قوله : ( البينة أو حد في ظهرك ) فيه دليل على أن الزوج إذا قذف امرأته بالزنى وعجز عن إقامة البينة وجب عليه حد القاذف ، وإذا وقع اللعان سقط وهو قول الجمهور . وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن اللازم بقذف الزوج إنما هو اللعان فقط ولا يلزمه الحد ، والحديث وما في معناه حجة عليه . قوله : ( فنزل جبريل . . . إلخ ) فيه التصريح بأن الآية نزلت في شأن هلال ، وقد تقدم الخلاف في ذلك . قوله : ( إن الله يعلم . . . إلخ ) فيه مشروعية تقديم الوعظ للزوجين قبل اللعان كما يدل على ذلك قوله : " ثم قامت " فإن ترتيب القيام على ذلك مشعر بما ذكرنا ، وقد تقدم الإشارة إلى الخلاف . قوله : ( وقفوها ) أي أشاروا عليها بأن ترجع وأمروها بالوقف عن تمام اللعان حتى ينظروا في أمرها فتلكأت وكادت أن تعترف ، ولكنها لم ترض بفضيحة قومها فاقتحمت وأقدمت على الأمر المخوف الموجب للعذاب الآجل مخافة من العار لأنه يلزم قومها من إقرارها العار بزناها ولم يردعها عن ذلك العذاب العاجل وهو حد الزنى .

                                                                                                                                            وفي هذا دليل على أن مجرد [ ص: 324 ] التلكؤ من أحد الزوجين والتكلم بما يدل على صدق الآخر دلالة ظنية ، لا يعمل به ، بل المعتبر هو التصريح من أحدهما بصدق الآخر والاعتراف المحقق بالكذب إن كان الزوج ، أو الوقوع في المعصية إن كانت المرأة

                                                                                                                                            قوله : ( انظروها فإن جاءت به . . . إلخ ) فيه دليل على أن المرأة كانت حاملا وقت اللعان . وقد وقع في البخاري التصريح بذلك ، وسيأتي التصريح به أيضا في باب ما جاء في اللعان على الحمل . قوله : ( أكحل العينين ) الأكحل : الذي منابت أجفانه سود كأن فيها كحلا . قوله : ( سابغ الأليتين ) بالسين المهملة وبعد الألف باء موحدة ثم غين معجمة : أي عظيمهما . قوله : ( خدلج الساقين ) بفتح الخاء والدال المهملة وتشديد اللام : أي ممتلئ الساقين والذراعين . قوله : ( فجاءت به كذلك ) في رواية للبخاري " فجاءت به على الوجه المكروه " وفي أخرى له " فجاءت به على النعت الذي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم " وفي ذلك روايات أخر ستأتي .

                                                                                                                                            قوله : ( لولا ما مضى من كتاب الله ) في رواية للبخاري { من حكم الله } والمراد أن اللعان يدفع الحد عن المرأة ، ولولا ذلك لأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها الحد من أجل ذلك الشبه الظاهر بالذي رميت به . ويستفاد منه أنه صلى الله عليه وسلم كان يحكم بالاجتهاد فيما لم ينزل عليه فيه وحي خاص ، فإذا نزل الوحي بالحكم في تلك المسألة قطع النظر وعمل بما نزل وأجري الأمر على الظاهر ولو قامت قرينة تقتضي خلاف الظاهر .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية