الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون

                                                                                                                                                                                                لما ذكر الفريقين الذين كفروا والذين آمنوا ، قال لنبيه : أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا يعني : أفمن زين له سوء عمله من هذين الفريقين ، كمن لم يزين له ، فكأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال : (لا ) فقال : فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ومعنى تزيين العمل والإضلال واحد ، وهو أن يكون العاصي على صفة لا تجدي عليه المصالح ، حتى يستوجب بذلك خذلان الله تعالى وتخليته وشأنه ، فعند ذلك يهيم في الضلال ويطلق آمر النهي ، ويعتنق طاعة الهوى ، حتى يرى القبيح حسنا والحسن قبيحا ، كأنما غلب على عقله وسلب تمييزه ، ويقعد تحت قول أبي نواس [من مجزوء الرمل ] :


                                                                                                                                                                                                اسقني حتى تراني حسنا عندي القبيح



                                                                                                                                                                                                وإذا خذل الله المصممين على الكفر وخلاهم وشأنهم ، فإن على الرسول أن لا يهتم بأمرهم ولا يلقي بالا إلى ذكرهم ، ولا يحزن ولا يتحسر عليهم : اقتداء بسنة الله تعالى في خذلانهم وتخليتهم . وذكر الزجاج أن المعنى : أفمن زين له سوء عمله ذهبت نفسك عليهم حسرة ، فحذف الجواب لدلالة فلا تذهب نفسك عليه : أو أفمن زين له سوء عمله كمن هداه الله ، فحذف لدلالة فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء عليه . حسرات : مفعول له [ ص: 142 ] يعني : فلا تهلك نفسك للحسرات . وعليهم صلة تذهب ، كما تقول : هلك عليه حبا ، ومات عليه حزنا . أو هو بيان للمتحسر عليه . ولا يجوز أن يتعلق بحسرات ; لأن المصدر لا يتقدم عليه صلته ، ويجوز أن يكون حالا ، كأن كلها صارت حسرات لفرط التحسر ، كما قال جرير [من الكامل ] :


                                                                                                                                                                                                مشق الهواجر لحمهن مع السرى     حتى ذهبن كلاكلا وصدورا



                                                                                                                                                                                                يريد : رجعن كلاكلا وصدورا ، أي : لم يبق إلا كلاكلها وصدورها . ومنه قوله [من الخفيف ] :


                                                                                                                                                                                                فعلى إثرهم تساقط نفسي     حسرات وذكرهم لي سقام



                                                                                                                                                                                                وقرئ : (فلا تذهب نفسك ) ، إن الله عليم بما يصنعون وعيد لهم بالعقاب على سوء صنيعهم .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية