الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              الآية الثامنة قوله تعالى : { إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد } .

                                                                                                                                                                                                              فيها خمس مسائل : المسألة الأولى قوله : بالعشي . وقد تقدم بيانه ، وأنه من زوال الشمس إلى الغروب ، كما أن الغداة من طلوع الشمس إلى الزوال . المسألة الثانية قوله : { الصافنات الجياد } يعني التي وقفت من الدواب على ثلاث قوائم ، وذلك لعتقها ، فإذا ثنى الفرس إحدى رجليه فذلك علامة على كرمه ، كما أنه إذا شرب ولم يثن سنبكه دل أيضا على كرمه ، ومن الغريب في غريب الحديث : { من سره أن يقوم له الرجال صفونا يعني يديمون له القيام فليتبوأ مقعده من النار } . وهذا حديث موضوع . ومن الحديث المشهور : { من سره أن تتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار } . وقد بيناه في سورة الحج ، وقد يقال صفن لمجرد الوقوف ، والمصدر صفونا قال الشاعر :

                                                                                                                                                                                                              ألف الصفون فما يزال كأنه مما يقوم على الثلاث كسيرا

                                                                                                                                                                                                              [ ص: 56 ] المسألة الثانية الجياد هي الخيل ، وكل شيء ليس برديء يقال له جيد ، ودابة جيدة وجياد مثل سوط وسياط ; عرضت الخيل على سليمان عليه السلام فشغلته عن صلاة العشي بظاهر القولين ; قال المفسرون : هي العصر . وقد روى المفسرون حديثا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { صلاة الوسطى صلاة العصر ، وهي التي فاتت سليمان } ، وهو حديث موضوع . وقيل : كانت ألف فرس ورثها من داود عليه السلام كان أصابها من العمالقة ، وكان له ميدان مستدير يسابق بينها فيه ، فنظر فيها حتى غابت الشمس خلف الحجاب ، وهو ما كان يحجب بينه وبينها لا غير مما يدعيه المفسرون ، وقيل أراد وهي : المسألة الرابعة حتى توارت بالحجاب ، وغابت عن عينيه في المسابقة ; لأن الشمس لم يجر لها ذكر ; وهذا فاسد بل قد تقدم عليها دليل ، وهو قوله : ( بالعشي ) ، كما تقول : سرت بعد العصر حتى غابت يعني الشمس ، وتركها لدلالة السامع لها عليها بما ذكر مما يرتبط بها ، وتعلق بذكرها ; والغداة والعشي أمر مرتبط بمسير الشمس ، فذكره ذكر لها ، وقد بين ذلك لبيد بقوله :

                                                                                                                                                                                                              حتى إذا ألقت يدا في كافر     وأجن عورات الثغور ظلامها

                                                                                                                                                                                                              المسألة الخامسة فلما فاتته الصلاة قال : { إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي } يعني الخيل ، وسماها خيرا لأنها من جملة المال الذي هو خير بتسمية الشارع له بذلك ، وقد قدمنا بيانه في سورة البقرة ، ولذلك قرأها ابن مسعود : { إني أحببت حب الخيل } بالتصريح بالتفسير ; قال : { ردوها علي فطفق مسحا } بسوقها وأعناقها ، فيه قولان : أحدهما مسحها بيده إكراما لها ، كما ورد في الحديث { أن النبي صلى الله عليه وسلم رئي وهو يمسح عن فرسه عرقه بردائه ، وقال : إني عوتبت الليلة في الخيل } .

                                                                                                                                                                                                              والثاني : أنه مسح أعناقها وسوقها بالسيوف عرقبة ، وهي رواية ابن وهب عن مالك ، وكان فعله هذا بها حين كان سببا لاشتغاله بها عن الصلاة .

                                                                                                                                                                                                              فإن قيل : كيف قتلها ، وهي خيل الجهاد ؟ [ ص: 57 ] قلنا : رأى أن يذبحها للأكل .

                                                                                                                                                                                                              وفي الصحيح عن جابر أنه قال : { أكلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا } .

                                                                                                                                                                                                              فكان ذلك لئلا تشغله مرة أخرى .

                                                                                                                                                                                                              وقد روي عن إبراهيم بن أدهم أنه قال : من ترك شيئا لله عوضه الله أمثاله ; ألا ترى إلى سليمان كيف أتلف الخيل في مرضاة الله فعوضه الله منها الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب ، غدوها شهر ورواحها شهر .

                                                                                                                                                                                                              ومن المفسرين من وهم فقال : وسمها بالكي ، وسبلها في سبيل الله ، وليست السوق محلا للوسم بحال .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية