الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا

                                                                                                                                                                                                                                      ما لهم به أي: باتخاذه سبحانه وتعالى ولدا. من علم مرفوع على الابتداء، أو الفاعلية لاعتماد الظرف. و "من" مزيدة لتأكيد النفي، والجملة حالية، أو مستأنفة لبيان حالهم في مقالهم، أي: ما لهم بذلك شيء من علم أصلا لا لإخلالهم بطريقة مع تحقق المعلوم، أو إمكانه بل لاستحالته في نفسه. ولا لآبائهم الذين قلدوهم فتاهوا جميعا في تيه الجهالة والضلالة، أو ما لهم علم بما قالوه أهو صواب أم خطأ؟ بل إنما قالوه رميا عن عمى وجهالة من غير فكر وروية، كما في قوله تعالى: وخرقوا له بنين وبنات بغير علم أو بحقيقة ما قالوه، وبعظم رتبته في الشناعة، كما في قوله تعالى: وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات [ ص: 204 ] يتفطرن منه ... الآيات. وهو الأنسب بقوله تعالى: كبرت كلمة أي: عظمت مقالتهم هذه في الكفر والافتراء لما فيها من نسبته سبحانه إلى ما لا يكاد يليق بجناب كبريائه. والفاعل في كبرت، إما ضمير المقالة المدلول عليها بـ "قالوا" وكلمة نصب على التمييز، أو ضمير مبهم مفسر بما بعده من النكرة المنصوبة تمييزا، كبئس رجلا. والمخصوص بالذم محذوف تقديره: كبرت هي كلمة خارجة من أفواههم. وقرئ: (كبرت) بإسكان الباء مع إشمام الضم وقرئ: (كلمة) بالرفع تخرج من أفواههم صفة للكلمة، مفيدة لاستعظام اجترائهم على التفوه بها، وإسناد الخروج إليها مع أن الخارج هو الهواء المتكيف بكيفية الصوت لملابسته بها. إن يقولون ما يقولون في ذلك الشأن إلا كذبا أي: إلا قولا كذبا لا يكاد يدخل تحت إمكان الصدق أصلا، والضميران لهم ولآبائهم، مثل حاله صلى الله عليه وسلم في شدة الوجد على إعراض القوم، وتوليهم عن الإيمان بالقرآن، وكمال التحسر عليهم بحال من يتوقع منه إهلاك نفسه إثر فوت ما يحبه عند مفارقة أحبته تأسفا على مفارقتهم، وتلهفا عليهم على مهاجرتهم. فقيل: على طريقة التمثيل حملا له صلى الله عليه وسلم على الحذر، والإشفاق من ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية