الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3228 باب القضاء باليمين على المدعى عليه

                                                                                                                              وقال النووي : ( باب : اليمين على المدعى عليه ) .

                                                                                                                              وقال صاحب المنتقى : ( باب استحلاف المدعى عليه في الأموال والدماء وغيرهما ) .

                                                                                                                              (حديث الباب )

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 2 ج 12 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [ (عن ابن عباس ) رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لو يعطى الناس بدعواهم، لادعى ناس دماء رجال وأموالهم. ولكن اليمين على المدعى عليه ". ) ] [ ص: 405 ] وفي رواية أخرى عنه ، عند مسلم : " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قضى باليمين على المدعى عليه ".

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              هكذا روى هذا الحديث : البخاري ومسلم مرفوعا ، من رواية ابن عباس عنه صلى الله عليه وآله وسلم. وهكذا ذكره أصحاب السنن وغيرهم. قال عياض : قال الأصيلي : لا يصح مرفوعا ، إنما هو قول ابن عباس.

                                                                                                                              قال : وقد رواه البخاري ومسلم مرفوعا.

                                                                                                                              قال النووي : قلت : وقد رواه أبو داود ، والترمذي ، بأسانيدهما مرفوعا. وقال الترمذي : حديث حسن صحيح. وجاء في رواية البيهقي وغيره بإسناد حسن ، أو صحيح ، عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلفظ: "ولكن البينة على المدعي ) ، واليمين على من أنكر.

                                                                                                                              [ ص: 406 ] قال : وهذا الحديث قاعدة كبيرة ، من قواعد أحكام الشرع؛ ففيه : أنه لا يقبل قول الإنسان فيما يدعيه ، بمجرد دعواه. بل يحتاج إلى بينة ، أو تصديق المدعى عليه. فإن طلب يمين المدعى عليه ، فله ذلك.

                                                                                                                              وقد بين صلى الله عليه وآله وسلم الحكمة في كونه لا يعطى بمجرد دعواه ، لأنه لو كان أعطي بمجردها ، لادعى قوم دماء قوم وأموالهم ، واستبيح. ولا يمكن المدعى عليه أن يصون ماله ودمه. وأما المدعي فيمكنه صيانتهما بالبينة. انتهى.

                                                                                                                              قلت : واختلف الفقهاء في تعريف المدعي ، والمدعى عليه. قال في الفتح : والمشهور فيه تعريفان ؛ الأول : أن المدعي : من تخالف دعواه الظاهر. والمدعى عليه بخلافه.

                                                                                                                              والثاني : من إذا سكت ترك وسكوته. والمدعى عليه : من لا يخلى إذا سكت.

                                                                                                                              والأول أشهر. والثاني أسلم.

                                                                                                                              [ ص: 407 ] وقد أورد على الأول : بأن المودع إذا ادعى الرد ، أو التلف : فإن دعواه تخالف الظاهر. ومع ذلك فالقول قوله. انتهى.

                                                                                                                              قال النووي : وفي هذا الحديث : دلالة لمذهب الشافعي ، والجمهور من سلف الأمة وخلفها : أن اليمين تتوجه على كل من ادعي عليه حق ، سواء كان بينه وبين المدعي اختلاط أم لا.

                                                                                                                              وقال مالك ، وجمهور أصحابه ، والفقهاء السبعة " فقهاء المدينة " : إن اليمين لا تتوجه إلا على من بينه وبينه خلطة ، لئلا يتبذل السفهاء أهل الفضل ، بتحليفهم مرارا في اليوم الواحد. فاشترطت الخلطة دفعا لهذه المفسدة.

                                                                                                                              واختلفوا في تفسير الخلطة ؛

                                                                                                                              فقيل : هي معرفته بمعاملته ومدينته : بشاهد أو بشاهدين. وقيل : تكفي الشبهة. وقيل : هي أن تليق به الدعوى بمثلها على مثله. وقيل : أن يليق به أن يعامله بمثلها.

                                                                                                                              ودليل الجمهور : حديث الباب. ولا أصل لاشتراط الخلطة ؛ في كتاب ، ولا سنة ، ولا إجماع. انتهى.

                                                                                                                              قلت : وظاهر حديث الباب : أن اليمين على المنكر ، والبينة على المدعي. ومن كانت اليمين عليه ، فالقول قوله مع يمينه.

                                                                                                                              [ ص: 408 ] ولكنه ورد ما يدل على أنه إذا اختلف البيعان : فالقول قول البائع. وبينه وبين هذا الحديث عموم وخصوص من وجه ؛

                                                                                                                              فظاهر حديث الباب : أن اليمين على المدعى عليه. فيكون القول قوله ، من غير فرق بين كونه بائعا أم لا. ما لم يكن مدعيا. فإن كان كذلك ، فعليه البينة. فلا يكون القول قوله.

                                                                                                                              وظاهر حديث البيع : أن القول قول البائع. وذلك يستلزم : أنه لا بينة عليه ، بل عليه اليمين فقط. سواء كان مدعيا أو مدعى عليه. وقد وقع التصريح باستحلاف البائع. فمادة التعارض حيث كان البائع مدعيا. والواجب في مثل ذلك : الرجوع إلى الترجيح. وأحاديث الباب أرجح. فيكون القول : ما يقوله البائع ، ما لم يكن مدعيا. والله أعلم.




                                                                                                                              الخدمات العلمية