الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ، ظاهر هذه الآية الكريمة أن الأمة لا يجوز نكاحها ، ولو عند الضرورة إلا إذا كانت مؤمنة بدليل قوله : من فتياتكم المؤمنات [ 4 \ 25 ] ، فمفهوم مخالفته أن غير المؤمنات من الإماء لا يجوز نكاحهن على كل حال ، وهذا المفهوم يفهم من مفهوم آية أخرى وهي قوله تعالى : والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب [ 5 \ 5 ] ، فإن المراد بالمحصنات فيها الحرائر على أحد الأقوال ، ويفهم منه أن الإماء الكوافر لا يحل نكاحهن ولو كن كتابيات ، وخالف الإمام أبو حنيفة - رحمه الله - فأجاز نكاح الأمة الكافرة ، وأجاز نكاح الإماء لمن عنده طول ينكح به الحرائر ; لأنه لا يعتبر مفهوم المخالفة كما عرف في أصوله رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                      أما وطء الأمة الكافرة بملك اليمين ، فإنها إن كانت كتابية فجمهور العلماء على إباحة وطئها بالملك ، لعموم قوله تعالى : إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم الآية [ 23 \ 6 ] ، ولجواز نكاح حرائرهم فيحل التسري بالإماء منهم . وأما إن كانت الأمة المملوكة له مجوسية أو عابدة وثن ممن لا يحل نكاح حرائرهم ; فجمهور العلماء على منع وطئها بملك اليمين .

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عبد البر : وعليه جماعة فقهاء الأمصار وجمهور العلماء ، وما خالفه فهو شذوذ لا يعد خلافا ، ولم يبلغنا إباحة ذلك إلا عن طاوس .

                                                                                                                                                                                                                                      قال مقيده عفا الله عنه : الذي يظهر من جهة الدليل والله تعالى أعلم جواز وطء الأمة بملك اليمين وإن كانت عابدة وثن أو مجوسية ; لأن أكثر السبايا في عصره - صلى الله عليه وسلم - من [ ص: 239 ] كفار العرب وهم عبدة أوثان ، ولم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه حرم وطأهن بالملك لكفرهن ولو كان حراما لبينه ، بل قال صلى الله عليه وسلم : " لا توطأ حامل حتى تضع ، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة " ، ولم يقل حتى يسلمن ولو كان ذلك شرطا لقاله وقد أخذ الصحابة سبايا فارس وهن مجوس ، ولم ينقل أنهم اجتنبوهن حتى أسلمن .

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن القيم في " زاد المعاد " ما نصه : ودل هذا القضاء النبوي على جواز وطء الإماء الوثنيات بملك اليمين ، فإن سبايا أوطاس لم يكن كتابيات ، ولم يشترط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وطئهن إسلامهن ، ولم يجعل المانع منه إلا الاستبراء فقط ، وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع مع أنهم حديثو عهد بالإسلام ويخفى عليهم حكم هذه المسألة وحصول الإسلام من جميع السبايا ، وكن عدة آلاف بحيث لم يتخلف منهن عن الإسلام جارية واحدة مما يعلم أنه في غاية البعد ، فإنهن لم يكرهن على الإسلام ، ولم يكن لهن من البصيرة والرغبة والمحبة في الإسلام ما يقتضي مبادرتهن إليه جميعا ، فمقتضى السنة وعمل الصحابة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعده جواز وطء المملوكات على أي دين كن ، وهذا مذهب طاوس وغيره ، وقواه صاحب " المغني " فيه ورجح أدلته ، وبالله التوفيق . ا هـ كلام ابن القيم بلفظه وهو واضح جدا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية