الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 52 ] النوع الثالث : صلاة ذات الرقاع .

                                                                                                                                                                        وهي : تارة تكون في صلاة ذات ركعتين ، إما الصبح ، وإما مقصورة . وتارة في ذات ثلاث ، أو أربع . فأما ذات ركعتين ، فيفرق الإمام الناس فرقتين ، فرقة في وجه العدو ، وينحاز بفرقة إلى حيث لا يبلغهم سهام العدو ، فيفتح بهم الصلاة ويصلي بهم ركعة . هذا القدر اتفقت عليه الروايات . وفيما يفعل بعد ذلك روايتان . إحداهما : أنه إذا قام الإمام إلى الثانية ، خرج المقتدون عن متابعته ، وأتموا لأنفسهم الركعة الثانية ، وتشهدوا وسلموا وذهبوا إلى وجه العدو ، وجاءوا أولئك فاقتدوا به في الثانية . ويطيل الإمام القيام إلى لحوقهم ، فإذا لحقوه ، صلى بهم الثانية ، فإذا جلس للتشهد قاموا وأتموا الثانية وهو ينتظرهم ، فإذا لحقوه ، سلم بهم . هذه رواية سهل بن أبي حثمة عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                        وأما الثانية : فهي أن الإمام إذا قام إلى الثانية ، لم يتم المقتدون به الصلاة ، بل يذهبون إلى مكان إخوانهم وجاء العدو وهم في الصلاة فيقفون سكوتا ، وتجيء تلك الطائفة فتصلي مع الإمام ركعته الثانية . فإذا سلم ، ذهبت إلى وجه العدو ، وجاء الأولون إلى مكان الصلاة ، وأتموا لأنفسهم ، وذهبوا إلى وجه العدو وجاءت الطائفة الأخرى إلى مكان الصلاة وأتموا . وهذه رواية ابن عمر . ثم إن الشافعي - رحمه الله - ، اختار الرواية الأولى لسلامتها من كثرة المخالفة ، ولأنها أحوط لأمر الحرب .

                                                                                                                                                                        وللشافعي قول قديم : أنه إذا صلى الإمام بالطائفة الثانية الركعة الثانية ، تشهد بهم وسلم ، ثم هم يقومون إلى تمام صلاتهم ، كالمسبوق ، وقول آخر : أنهم يقومون إذا بلغ الإمام موضع السلام ولم يسلم بعد . وهل تصح الصلاة على صفة رواية ابن عمر ؟ قولان .

                                                                                                                                                                        المشهور : الصحة ، لصحة الحديث وعدم المعارض ، ولا يصح قول الآخر : إنه منسوخ ، فإن النسخ يحتاج إلى دليل . وإقامة الصلاة على الوجه المذكور ليست عزيمة لا بد منها ، بل لو صلى بطائفة ، وصلى غيره بالباقين ، أو صلى بعضهم ، أو كلهم منفردين ، جاز قطعا ، لكن كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يسمحون [ ص: 53 ] بترك فضيلة الجماعة ، فأمر الله سبحانه وتعالى بترتبهم هكذا ، لتحصل طائفة فضيلة التكبير معه ، والأخرى فضيلة التسليم معه . وهذا النوع موضعه إذا كان العدو في غير جهة القبلة ، أو فيها وبينهم وبين المسلمين حائل يمنع رؤيتهم لو هجموا .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        الطائفة الأولى ينوون مفارقة الإمام إذا قاموا معه إلى الثانية ، وانتصبوا قياما . ولو فارقوه بعد رفع الرأس من السجود ، جاز ، والأول أولى .

                                                                                                                                                                        وأما الطائفة الثانية ، فإذا قاموا إلى ركعتهم الثانية ، لا ينفردون عن الإمام ، كذا قاله الجمهور . وفيه شيء يأتي - إن شاء الله تعالى - .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية