الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              الآية الثالثة قوله تعالى : { والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد } .

                                                                                                                                                                                                              فيها مسألتان : المسألة الأولى : في سبب نزولها : قال علماؤنا : نزلت مع الآية التي قبلها في ثلاثة نفر : زيد بن عمرو بن نفيل ، وأبي ذر ، وسلمان الفارسي كانوا ممن لم يأتهم كتاب ولا بعث إليهم نبي ، ولكن وقر في نفوسهم كراهية ما الناس عليه بما سمعوا من أحسن ما كان في أقوال الناس ، فلا جرم قادهم ذلك إلى الجنة .

                                                                                                                                                                                                              أما زيد بن عمرو بن نفيل فمات على التوحيد في أيام الفترة فله ما نوى من الجنة ، وأما أبو ذر وسلمان فتداركتهم العناية ، ونالوا الهداية ، وأسلموا ، وصاروا في جملة الصحابة . المسألة الثانية : قال جماعة : الطاغوت الشيطان ، وقيل : الأصنام .

                                                                                                                                                                                                              وقال ابن وهب عن مالك : هو كل ما عبد من دون الله ، وهو فلعوت من طغى ; إذا تجاوز الحد ، ودخل في قسم المذموم فقال ابن إسحاق : كانت العرب قد اتخذت في الكعبة طواغيت ، وهي ستون ، كانت تعظمها بتعظيم الكعبة ، وتهدى إليها كما تهدى إلى الكعبة ، وكان لها سدنة وحجاب ، وكانت تطوف بها ، وتعرف فضل الكعبة عليها .

                                                                                                                                                                                                              وقيل : كان الشيطان يتصور في صورة إنسان فيتحاكمون إليه وهي صورة إبراهيم وفي الحديث : { إنه يأتي شيطان في صورة رجل فيقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 66 ] يكذب على النبي متعمدا ليضل الناس } ، فينبغي أن يحذر من الأحاديث الباطلة المضلة ، وينبغي ألا يقصد مسجدا ، ولا يعظم بقعة إلا البقاع الثلاث التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد : مسجدي هذا ، ومكة ، والمسجد الأقصى } .

                                                                                                                                                                                                              وقد سول الشيطان لأهل زماننا أن يقصدوا الربط ، ويمشوا إلى المساجد تعظيما لها ، وهي بدعة ما جاء النبي بها إلا مسجد قباء ، فإنه كان يأتيه كل سبت راكبا وماشيا ، لا لأجل المسجدية ، فإن حرمتها في مسجده كانت أكثر ، وإنما كان ذلك على طريق الافتقاد لأهله ، والتطييب لقلوبهم ، والإحسان بالألفة إليهم .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية