الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة ست وتسعين وأربعمائة

فمن الحوادث فيها:

أنه لما انهزم السلطان محمد من الوقعة التي كانت بينه وبين بركيارق دخل أصبهان ، وكان فيها جماعة قد استحلفهم ، فقوي جأشه بهم ، ورم البلد ، وجدد [عمارة] سور القلعة ، وأقبل بركيارق في خمسة عشر ألفا فحاصره ، وعدد أصحاب محمد قليل ، فضاقت الميرة على محمد ، فقسط على أهل البلد على وجه القرض فأخذ مالا عظيما ، ثم عاود عسكره الشغب ، فأعاد التقسيط بالظلم والعذاب ، وبلغ الخبز عشرة أمناء بدينار ، ورطل لحم بربع دينار ، ومائة منا تبنا بأربعة دنانير ، وقلعت أخشاب المساجد وأبواب الدكاكين ، هذا والقتال على أبواب البلد ، وينال صاحب محمد يحرق الناس بالمصادرة ، وعسكر بركيارق في رخص كثير .

ثم إن محمدا خرج في أصحابه سرا من بعض أبواب البلد فلم يصبح إلا على فراسخ ، فندب بركيارق من يطلبه ، فلحقه إياز وقد نزل لضعف خيله من قلة العلوفة فبعث إلى إياز يقول له: بيننا عهد ولي في عنقك إيمان ، فقال: امض في دعة الله ، فقال: خيلي ضعيفة ، فبعث إليه فرسا ، وبغلة [وأخذ علمه] وثلاثة أفراس محملة دنانير ، وأسر من أصحابه أميرين ، وعاد إياز فأخبر بركيارق فلم يسره سلامة أخيه .

[ ص: 80 ]

وفي صفر: لقب أبو الحسن الدامغاني بتاج الإسلام مضافا إلى قاضي القضاة .

وفي يوم الاثنين ثالث عشرين ربيع الأول: أعيدت الخطبة لبركيارق ، فخطب في الديوان ، ثم تقدم إلى الخطباء في السابع والعشرين من هذا الشهر بأن يقتصروا على ذكر الخليفة ، ولا يذكروا أحدا من السلاطين المختلفين .

ثم التقى السلطان محمد وبركيارق في يوم الأربعاء في جمادى الآخرة ، فوقعت الحرب بينهما ، فانهزم محمد إلى بعض بلاد أرمينية على أربعين فرسخا من الوقعة ، ثم سار منها إلى خلاط ثم عاد إلى تبريز ، ومضى بركيارق إلى زنجان ، ثم وقع بينهما صلح .

وكان سيف الدولة صدقة يحافظ على الخطب لمحمد ، فجاء في ربيع الآخر إلى نهر الملك ، ثم نزل بالعلويين ، فخرج إليه العلويون يسألونه الأمان لبلدهم ، فأجاب وبعث الخليفة إليه يخبره بانزعاج الناس ، فلم يلتفت ، ونقل أهل بغداد من الجانب الغربي إلى الجانب الشرقي بالحريم ، ومن الحريم إلى دار الخليفة ، وبلغ الخبز ثلاثة أرطال بقيراط ، واستبيح السواد ، وافتضت الأبكار ، وبعث الخليفة قاضي القضاة أبا الحسن وأبا نصر بن الموصلايا إلى سيف الدولة ، فلما قربا قدم لهما مركوبين من مراكيبه ، وقام لهما واحترمهما وأجاب بالطاعة لأمير المؤمنين ، ونهض من خيمته وأنفذ لهما دراريج [مشوية] وقال: هذه صدناها ، فلم يتناول قاضي القضاة شيئا من الطعام واعتذر بأنه لا يأكل في سفره ما يحوجه إلى البروز لحاجة ، ثم سار وسار معه سيف الدولة إلى صرصر ، وعانقه لما ودعه ، ورجع .

[خلع على زعيم الرؤساء أبي القاسم علي بن محمد بن محمد بن جهير]

وفي رمضان: خلع على زعيم الرؤساء أبي القاسم علي بن محمد بن محمد بن جهير ، واستوزره المستظهر ، ودخل ينال صاحب السلطان محمد إلى بغداد ، وأفسد [ ص: 81 ] القرى ، وقسط عليها ، وأكثر الظلم ، فروسل بقاضي القضاة فعرفه قبح الظلم وحرمة الشهر ، فزاده ذلك عتوا وجاء العيد ، فصلى بالحسبة وأمر بضرب البوقات والطبول عند دار العميد بقصر ابن المأمون ، واحتبس سفنا وصلت للخليفة فقرر عليها شيئا يعطاه ، ثم أصعد إلى أوانا فنهب الدنيا ، وعاث أقبح عيث ، ثم آل أمر ينال إلى أن هرب من السلطان ، ثم آل أمره إلى أن قتل . وتقدم بنقض السوق التي استجدها جلال الدولة ملك شاه بالمدينة المعروفة بطغرلبك ، وكانت مرسومة بالصباغين بعد خروجه ، والسوق التي كان بها البزازون أيام دخوله ، والمدرسة التي بنتهاتركان خاتون ، وكانوا قد أنفقوا على ذلك الأموال الجمة فنقض ذلك كله .

التالي السابق


الخدمات العلمية