الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
كيف تفضل فرض الجهاد .

( أخبرنا الربيع ) قال ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى { كتب عليكم القتال ، وهو كره لكم } مع ما أوجب من القتال في غير آية من كتابه ، وقد وصفنا أن ذلك على الأحرار المسلمين البالغين غير ذوي العذر بدلائل الكتاب والسنة ، فإذا كان فرض الجهاد على من فرض عليه محتملا لأن يكون كفرض الصلاة وغيرها عاما ومحتملا لأن يكون على غير العموم فدل كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم على أن فرض الجهاد إنما هو على أن يقوم به من فيه كفاية للقيام به حتى يجتمع أمران أحدهما أن يكون بإزاء العدو المخوف على المسلمين من يمنعه ، والآخر أن يجاهد من المسلمين من في جهاده كفاية حتى يسلم أهل الأوثان ، أو يعطي أهل الكتاب الجزية قل ، فإذا قام بهذا من المسلمين من فيه الكفاية به خرج المتخلف منهم من المأثم في ترك الجهاد وكان الفضل للذين ولوا الجهاد على المتخلفين عنه قال الله عز وجل { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة } الآية .

( قال الشافعي ) وبين إذ وعد الله عز وجل القاعدين غير أولي الضرر الحسنى أنهم لا يأثمون بالتخلف ويوعدون الحسنى بالتخلف بل وعدهم لما وسع عليهم من التخلف الحسنى إن كانوا مؤمنين لم يتخلفوا شكا ، ولا سوء نية ، وإن تركوا الفضل في الغزو وأبان الله عز وجل في قوله في النفير حين أمرنا بالنفير { انفروا خفافا وثقالا } وقال عز وجل { إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما } وقال تبارك وتعالى { وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين } الآية ، فأعلمهم أن فرض الجهاد على الكفاية من المجاهدين .

( قال الشافعي ) ولم يغز رسول الله صلى الله عليه وسلم غزاة علمتها إلا تخلف عنه فيها بشر فغزا بدرا وتخلف عنه رجال معروفون ، وكذلك تخلف عنه عام الفتح وغيره من غزواته صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وفي تجهزه للجمع للروم { ليخرج من كل رجلين رجل فيخلف الباقي الغازي في أهله وماله } .

( قال الشافعي ) وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيوشا وسرايا تخلف عنها بنفسه مع حرصه على الجهاد على ما ذكرت .

( قال الشافعي ) وأبان أن لو تخلفوا معا أثموا معا بالتخلف بقوله عز وجل { إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما } يعني والله تعالى أعلم ، إلا إن تركتم النفير كلكم عذبتكم قال ففرض الجهاد على ما وصفت يخرج المتخلفين من المأثم بالكفاية فيه ، ويأثمون معا إذا تخلفوا معا .

التالي السابق


الخدمات العلمية