الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به

لما ذكر آنفا بهيمة الأنعام وتعظيم حرمات الله أعقب ذلك بإبطال ما حرمه المشركون على أنفسهم من الأنعام مثل : البحيرة ، والسائبة ، [ ص: 253 ] والوصيلة ، والحامي وبعض ما في بطونها . وقد ذكر في سورة الأنعام . واستثنى منه ما يتلى تحريمه في القرآن وهو ما جاء ذكره في سورة الأنعام في قوله قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما الآيات وما ذكر في سورة النحل وكلتاهما مكيتان سابقتان . وجيء بالمضارع في قوله إلا ما يتلى عليكم ليشمل ما نزل من القرآن في ذلك مما سبق نزول سورة الحج بأنه تلي فيما مضى ولم يزل يتلى ، ويشمل ما عسى أن ينزل من بعد مثل قوله ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة الآية في سورة العقود .

والأمر باجتناب الأوثان مستعمل في طلب الدوام كما في قوله يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله . وفرع على ذلك جملة معترضة للتصريح بالأمر باجتناب ما ليس من حرمات الله ، وهو الأوثان . واجتناب الكذب على الله بقولهم لبعض المحرمات هذا حلال مثل الدم وما أهل لغير الله به ، وقولهم لبعض هذا حرام مثل : البحيرة ، والسائبة قال تعالى ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب .

والرجس : حقيقته الخبث والقذارة . وتقدم في قوله تعالى فإنه رجس في سورة الأنعام . ووصف الأوثان بالرجس أنها رجس معنوي لكون اعتقاد إلهيتها في النفوس بمنزلة تعلق الخبث بالأجساد فإطلاق الرجس عليها تشبيه بليغ . و ( من ) في قوله ( من الأوثان ) بيان لمجمل الرجس ، فهي تدخل على بعض أسماء التمييز بيانا للمراد من الرجس هنا لا أن معنى [ ص: 254 ] ذلك أن الرجس هو عين الأوثان بل الرجس أعم أريد به هنا بعض أنواعه فهذا تحقيق معنى ( من ) البيانية . و ( حنفاء لله ) حال من ضمير ( اجتنبوا ) أي تكونوا إن اجتنبتم ذلك حنفاء لله ، جمع حنيف وهو المخلص لله في العبادة ، أي تكونوا على ملة إبراهيم حقا . ولذلك زاد معنى ( حنفاء ) بيانا بقوله ( غير مشركين به ) وهذا كقوله إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين . والباء في قوله مشركين به للمصاحبة والمعية ، أي غير مشركين معه غيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية