الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا

                                                                                                                                                                                                                                      وتحسبهم بفتح السين ، وقرئ بكسرها أيضا. والخطاب فيه كما سبق. أيقاظا جمع يقظ، بكسر القاف وفتحها. وهو اليقظان، ومدار الحسبان انفتاح عيونهم على هيئة الناظر، وقيل: كثرة تقلبهم، ولا يلائمه قوله تعالى: "ونقلبهم" وهم رقود أي: نيام وهو تقرير لما لم يذكر فيما سلف اعتمادا على ذكره السابق من الضرب على آذانهم ونقلبهم في رقدتهم ذات اليمين نصب على الظرفية، أي: جهة تلي أيمانهم. وذات الشمال أي: جهة تلي شمائلهم، كيلا تأكل الأرض ما يليها من أبدانهم. قال ابن عباس رضي الله عنهما: لو لم يقلبوا لأكلتهم الأرض. قيل لهم تقليبتان في السنة. وقيل: تقليبة واحدة يوم عاشوراء. وقيل: في كل تسع سنين. وقرئ: (يقلبهم) على الإسناد إلى ضمير الجلالة، "وتقلبهم" على المصدر منصوبا بمضمر ينبئ عنه، وتحسبهم أي: وترى تقلبهم. وكلبهم قيل: هو كلب مروا به، فتبعهم، فطردوه مرارا فلم يرجع، فأنطقه الله تعالى فقال: لا تخشوا جانبي فإني أحب أحباء الله تعالى فناموا حتى أحرسكم. وقيل: هو كلب راع قد تبعهم على دينهم، ويؤيده قراءة (كالبهم) إذا الظاهر لحوقه بهم. وقيل: كلب صيد أحدهم، أو زرعه، أو غنمه. واختلف في لونه فقيل: كان أنمر. وقيل: أصفر. وقيل: أصهب. وقيل: غير ذلك. وقيل: كان اسمه قطمير، وقيل: ريان. وقيل: تتوه. وقيل: قطمور، وقيل: ثور. قال خالد بن معدان : ليس في الجنة من الدواب إلا كلب أصحاب الكهف، وحمار بلعم. وقيل: لم يكن ذلك من جنس الكلاب بل كان أسدا. باسط ذراعيه حكاية حال ماضية، ولذلك أعمل اسم الفاعل. وعند الكسائي ، وهشام ، وأبي جعفر من البصريين ، يجوز [ ص: 213 ] إعماله مطلقا. والذراع من المرفق إلى رأس الأصبع الوسطى. بالوصيد أي: بموضع الباب من الكهف لو اطلعت عليهم أي: لو عاينتهم وشاهدتهم. وأصل الاطلاع: الإشراف على الشيء بالمعاينة، والمشاهدة، وقرئ بضم الواو. لوليت منهم فرارا هربا مما شاهدت منهم، وهو إما نصب على المصدرية من معنى ما قبله إذ التولية، والفرار من واد واحد، وإما على الحالية بجعل المصدر بمعنى الفاعل، أي: فارا أو بجعل الفاعل مصدرا مبالغة، كما في قولها: فإنما هي إقبال وإدبار، وإما على أنه مفعول له. ولملئت منهم رعبا وقرئ بضم العين، أي: خوفا يملأ الصدر ويرعبه، وهو إما مفعول ثان، أو تمييز. ذلك لما ألبسهم الله عز وجل من الهيبة، والهيئة كانت أعينهم مفتحة كالمستيقظ الذي يريد أن يتكلم، وقيل: لطول أظفارهم، وشعورهم، ولا يساعده قولهم: لبثنا يوما أو بعض يوم . وقوله: ولا يشعرن بكم أحدا فإن الظاهر من ذلك عدم اختلاف أحوالهم في أنفسهم. وقيل لعظم أجرامهم، ولعل تأخير هذا عن ذكر التولية للإيذان باستقلال كل منهما في الترتب على الاطلاع إذ لو روعي ترتيب الوجود لتبادر إلى الفهم ترتب المجموع من حيث هو هو عليه، وللإشعار بعدم زوال الرعب بالفرار كما هو المعتاد. وعن معاوية : لما غزا الروم فمر بالكهف، قال: لو كشفت لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم، فقال له ابن عباس رضي الله عنهما: ليس لك ذلك قد منع الله تعالى من هو خير منك حيث قال: لو اطلعت عليهم ... الآية. قال معاوية : لا أنتهي حتى أعلم علمهم فبعث ناسا، وقال لهم: اذهبوا فانظروا، ففعلوا فلما دخلوا الكهف بعث الله تعالى ريحا فأحرقتهم ، وقرئ: بتشديد اللام على التكثير، وبإبدال الهمزة ياء مع التخفيف والتشديد.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية