الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير

                                                                                                                                                                                                "فيموتوا " جواب النفى ، ونصبه بإضمار أن ، وقرئ : (فيموتون ) عطفا على يقضي ، وإدخالا له في حكم النفى ، أي : لا يقضي عليهم الموت فلا يموتون ، كقوله تعالى : ولا يؤذن لهم فيعتذرون . "كذلك " مثل ذلك الجزاء "يجزي " وقرئ : (يجازى ) ، (ونجزي ) . كل كفور بالنون "يصطرخون " يتصارخون : يفتعلون من الصراخ وهو الصياح بجهد وشدة . قال [من الطويل ] :


                                                                                                                                                                                                كصرخة حبلى أسلمتها قبيلها



                                                                                                                                                                                                [ ص: 159 ] واستعمل في الاستغاثة لجهد المستغيث صوته . فإن قلت : هلا اكتفى بـ "صالحا " كما أكتفى به في قوله تعالى : فارجعنا نعمل صالحا وما فائدة زيادة غير الذي كنا نعمل على أنه يؤذن أنهم يعملون صالحا آخر غير الصالح الذي عملوه ؟ قلت : فائدته زيادة التحسر على ما عملوه من غير الصالح مع الاعتراف به . وأما الوهم فزائل لظهور حالهم في الكفر وركوب المعاصي ; لأنهم كانوا يحسبون أنهم على سيرة صالحة ، كما قال الله تعالى : وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا [الكهف : 104 ] فقالوا : أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نحسبه صالحا فنعمله أولم نعمركم توبيخ من الله يعني : فنقول لهم . وقرئ : (وما يذكر فيه ) من اذكر على الإدغام وهو متناول لكل عمر تمكن فيه المكلف من إصلاح شأنه وإن قصر ; إلا أن التوبيخ في المتطاول أعظم . وعن النبي صلى الله عليه وسلم : "العمر الذي أعذر الله فيه إلى ابن آدم ستون سنة " . وعن مجاهد : ما بين العشرين إلى الستين . وقيل : ثماني عشر وسبع عشر . و "النذير " الرسول صلى الله عليه وسلم . وقيل : الشيب . وقرئ : (وجاءتكم النذر ) فإن قلت : علام عطف وجاءكم النذير ؟ قلت : على معنى : أولم نعمركم ; لأن لفظه لفظ استخبار . ومعناه معنى إخبار ، كأنه قيل : قد عمرناكم وجاءكم النذير .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية