الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ولقد خلقنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس .

يقال منه : ذرأ الله خلقه يذرؤهم ذرءا .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 277 ]

15443 - حدثني علي بن الحسين الأزدي قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن مبارك بن فضالة ، عن الحسن ، في قوله : ( ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس ) قال : مما خلقنا .

15444 - . . . . حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، عن مبارك ، عن الحسن ، في قوله : ( ولقد ذرأنا لجهنم ) قال : خلقنا .

15445 - . . . . قال : حدثنا زكريا ، عن عتاب بن بشير ، عن علي بن بذيمة ، عن سعيد بن جبير قال : أولاد الزنا مما ذرأ الله لجهنم .

15446 - قال : حدثنا زكريا بن عدي ، وعثمان الأحول ، عن مروان بن معاوية ، عن الحسن بن عمرو ، عن معاوية بن إسحاق ، عن جليس له بالطائف ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله لما ذرأ لجهنم ما ذرأ ، كان ولد الزنا ممن ذرأ لجهنم " .

15447 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : [ ص: 278 ] حدثنا أسباط ، عن السدي : ( ولقد ذرأنا لجهنم ) ، يقول : خلقنا .

15448 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا أبو سعد قال : سمعت مجاهدا يقول في قوله : ( ولقد ذرأنا لجهنم ) قال : لقد خلقنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس .

15449 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : ( ولقد ذرأنا لجهنم ) ، خلقنا .

قال أبو جعفر : وقال جل ثناؤه : ( ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس ) ، لنفاذ علمه فيهم بأنهم يصيرون إليها بكفرهم بربهم .

وأما قوله : ( لهم قلوب لا يفقهون بها ) ، فإن معناه : لهؤلاء الذين ذرأهم الله لجهنم من خلقه قلوب لا يتفكرون بها في آيات الله ، ولا يتدبرون بها أدلته على وحدانيته ، ولا يعتبرون بها حججه لرسله ، فيعلموا توحيد ربهم ، ويعرفوا حقيقة نبوة أنبيائهم . فوصفهم ربنا جل ثناؤه بأنهم : "لا يفقهون بها" ، لإعراضهم عن الحق وتركهم تدبر صحة [ نبوة ] الرسل ، وبطول الكفر . وكذلك قوله : ( ولهم أعين لا يبصرون بها ) ، معناه : ولهم أعين لا ينظرون بها إلى آيات الله وأدلته ، فيتأملوها ويتفكروا فيها ، فيعلموا بها صحة ما تدعوهم إليه رسلهم ، وفساد ما هم عليه مقيمون ، من الشرك بالله ، وتكذيب رسله; فوصفهم الله بتركهم إعمالها في الحق ، بأنهم لا يبصرون بها .

وكذلك قوله : ( ولهم آذان لا يسمعون بها ) ، آيات كتاب الله ، فيعتبروها ويتفكروا فيها ، ولكنهم يعرضون عنها ، ويقولون : ( لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون [ ص: 279 ] ) ، [ سورة فصلت : 26 ] . وذلك نظير وصف الله إياهم في موضع آخر بقوله : ( صم بكم عمي فهم لا يعقلون ) ، [ سورة البقرة : 171 ] . والعرب تقول ذلك للتارك استعمال بعض جوارحه فيما يصلح له ، ومنه قول مسكين الدارمي :


أعمى إذا ما جارتي خرجت حتى يواري جارتي الستر     وأصم عما كان بينهما
سمعي وما بالسمع من وقر



فوصف نفسه لتركه النظر والاستماع بالعمى والصمم . ومنه قول الآخر :

وعوراء اللئام صممت عنها     وإني لو أشاء بها سميع
وبادرة وزعت النفس عنها     وقد تئقت من الغضب الضلوع

[ ص: 280 ]

وذلك كثير في كلام العرب وأشعارها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

15450 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا أبو سعد قال : سمعت مجاهدا يقول في قوله : ( لهم قلوب لا يفقهون بها ) قال : لا يفقهون بها شيئا من أمر الآخرة ( ولهم أعين لا يبصرون بها ) ، الهدى ( ولهم آذان لا يسمعون بها ) الحق ، ثم جعلهم كالأنعام سواء ، ثم جعلهم شرا من الأنعام ، فقال : ( بل هم أضل ) ، ثم أخبر أنهم هم الغافلون .

التالي السابق


الخدمات العلمية