الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              الآية الثامنة قوله تعالى : { لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير } . فيها أربع مسائل : المسألة الأولى : في المراد بالآية : قال علماؤنا : قوله { يهب لمن يشاء إناثا } يعني لوطا كان له بنات ولم يكن له ابن ويهب لمن يشاء الذكور إبراهيم كان له بنون ولم تكن له بنت . [ ص: 80 ] وقوله : { أو يزوجهم ذكرانا وإناثا } يعني آدم ، كانت حواء تلد له في كل بطن ولدين توأمين ذكرا وأنثى ; فيزوج الذكر من هذا البطن من الأنثى من هذا البطن الآخر ، حتى أحكم الله التحريم في شرع نوح عليه السلام . وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم كان له ذكور وإناث ، من الأولاد : القاسم ، والطيب ، والطاهر ، وعبد الله ; وزينب ، وأم كلثوم ، ورقية ، وفاطمة ; وكلهم من خديجة رضي الله عنها وإبراهيم وهو من مارية القبطية .

                                                                                                                                                                                                              وكذلك قسم الله الخلق من لدن آدم إلى زماننا إلى أن تقوم الساعة على هذا التقدير المحدود بحكمته البالغة ومشيئته النافذة ، ليبقى النسل ، ويتمادى الخلق ، وينفذ الوعد ، ويحق الأمر ، وتعمر الدنيا ، وتأخذ الجنة والنار ما يملأ كل واحدة منهما ويبقى ; ففي الحديث : { إن النار لن تمتلئ حتى يضع الجبار فيها قدمه ، فتقول قط قط وأما الجنة فتبقى فينشئ الله لها خلقا آخر } . المسألة الثانية : إن الله لعموم قدرته وشديد قوته يخلق الخلق ابتداء من غير شيء ، وبعظيم لطفه وبالغ حكمته يخلق شيئا من شيء لا عن حاجة ، فإنه قدوس عن الحاجات ، سلام عن الآفات ، كما قال القدوس السلام ، فخلق آدم من الأرض ، وخلق حواء من آدم ، وخلق النشأة من بينهما منهما ، مرتبا عن الوطء كائنا عن الحمل ، موجودا في الجنين بالوضع ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : { إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة أذكرا ، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل أنثا } .

                                                                                                                                                                                                              وكذلك في الصحيح أيضا { إذا علا ماء الرجل ماء المرأة أشبه الولد أعمامه ، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أشبه الولد أخواله } .

                                                                                                                                                                                                              وقد بينا تحقيق ذلك في شرح الحديث بما لبابه أنها أربعة أحوال : ذكر يشبه أعمامه . أنثى تشبه أخوالها . ذكر يشبه أخواله . أنثى تشبه أعمامها . وذلك في الجميع بين ظاهر التعالج أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم : سبق : خرج من قبل ، ومعنى علا كثر ، فإذا خرج ماء الرجل من قبل وخرج ماء المرأة بعده وكان أقل منه كان الولد ذكرا [ ص: 81 ] بحكم سبق ماء الرجل ، ويشبه أعمامه بحكم كثرة مائه أيضا وإن خرج ماء المرأة من قبل وخرج ماء الرجل بعده وكان أقل من مائها كان الولد أنثى بحكم سبق ماء المرأة ، ويشبه أحوالها لأن ماءها علا ماء الرجل وكاثره . وإن خرج ماء الرجل من قبل لكن لما خرج ماء المرأة كان أكثر جاء الولد ذكرا بحكم سبق ماء الرجل وأشبه أمه وأخواله بحكم علو ماء المرأة وكثرته . وإن خرج ماء المرأة من قبل لكن لما خرج ماء الرجل من بعد ذلك كان أكثر وأعلى كان الولد أنثى بحكم سبق ماء المرأة ، ويشبه أباه وأعمامه بحكم غلبة ماء الذكر وعلوه وكثرته على ماء المرأة . فسبحان الخلاق العظيم .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية