الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          فاتخذت من دونهم حجابا والفاء للترتيب والتعقيب؛ أي أنه صاحب الانتباذ؛ أو أعقبه؛ أن اتخذت حجابا من دونهم؛ يحول بينهم وبينها؛ فلا يرونها في عزلتها؛ ولا تراهم؛ وذلك إحكام للعزلة التي أرادتها؛ بإلهام من الله (تعالى)؛ لتكون أما لعيسى؛ وقد كانت في هذه الخلوة الروحية على استعداد لتلقي أمر ربها؛ وقد قال (تعالى) - في الاصطفاء؛ في سورة "آل عمران "؛ مخاطبا لها بالوحي؛ أو بالإلهام الروحي -: وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين

                                                          في هذه الخلوة الروحية التي كان يتحدث فيها الملائكة؛ كان لقاء جبريل الأمين لها؛ ولذا قال (تعالى): فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا "الروح "؛ هو جبريل؛ وقد عبر عنه بـ "روح القدس "؛ وأضيفت الروح إلى الله; لأنه خالقها؛ [ ص: 4622 ] ولأنه المختص برسالته إلى خلقه؛ وكذلك كان التعبير في قوله (تعالى): فنفخنا فيها من روحنا ؛ أي: جبريل الأمين؛ والفاء للترتيب؛ أي أنه بعد أن اتخذت حجابا بينها وبين الناس؛ منتبذة دونهم مكانا شرقيا؛ أرسلنا إليها في هذه الخلوة الروحية جبريل؛ فتمثل لها بشرا سويا أي: ظهر لها في صورة رجل سوي؛ مستوي الخلق؛ والتكوين؛ حسن الصورة؛ وقد جاءها كذلك؛ لأن البشر لا يرون الملك من الملائكة إلا على صورة البشر؛ قال (تعالى): ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون لأن البشر بحالهم البشرية لا يستطيعون أن يروا ملكا وهو في صورته الروحية.

                                                          فوجئت البتول مريم - وهي في مكان قصي شرقي؛ قد انتبذت الناس؛ واتخذت من دونهم حجابا - بصورة رجل من البشر؛ يدخل عليها؛ ولا تدري من أين جاءها؛ وقد سدت الأبواب؛ وقام الحجاب؛ وفي الفزع من المفاجأة؛ قال الله عنها:

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية