الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        المسلك السابع

                        الشبه

                        ويسميه بعض الفقهاء : الاستدلال بالشيء على مثله ، وهو عام أريد به خاص ، إذ الشبه يطلق على جميع أنواع القياس; لأن كل قياس لا بد فيه من كون الفرع شبيها بالأصل ، بجامع بينهما ، وهو من أهم ما يجب الاعتناء به . قال الإبياري : لست أرى في مسائل الأصول مسألة أغمض منه ، وقد اختلفوا في تعريفه ، فقال إمام الحرمين الجويني : لا يمكن تحديده ، وقال غيره : يمكن تحديده ، فقيل : هو الجمع بين الأصل والفرع بوصف يوهم اشتماله على الحكمة المقتضية للحكم من غير تعيين ، كقول الشافعي في النية في الوضوء والتيمم : طهارتان فأنى تفترقان ؟ كذا قال الخوارزمي في الكافي .

                        [ ص: 635 ] قال في المحصول : ذكروا في تعريفه وجهين :

                        ( الأول ) : ما قاله القاضي أبو بكر ، وهو أن الوصف إما يكون مناسبا للحكم بذاته ، وإما لا يناسبه بذاته ، لكنه يكون مستلزما لما يناسبه بذاته ، وإما أن لا يناسبه بذاته ، ولا يستلزم ما يناسبه بذاته .

                        ( فالأول ) : هو الوصف المناسب .

                        ( والثاني ) : الشبه .

                        ( والثالث ) : الطرد .

                        ( الثاني ) : الوصف الذي لا يناسب الحكم ، إما أن يكون عرف بالنص تأثير جنسه القريب في الجنس القريب لذلك الحكم ، وإما أن يكون كذلك ، والأول هو الشبه; لأنه من حيث هو غير مناسب يظن أنه غير معتبر في حق ذلك الحكم ، ومن حيث إنه علم تأثير جنسه القريب في الجنس القريب لذلك الحكم مع أن سائر الأوصاف ليس كذلك يكون ظن إسناد الحكم إليه أقوى من ظن إسناده إلى غيره انتهى .

                        وحكى الإبياري في شرح البرهان عن القاضي : أنه ما يوهم الاشتمال على وصف مخيل ، ثم قال : وفيه نظر ، من جهة أن الخصم قد ينازع في إيهام الاشتمال على مخيل ، إما حقا أو عنادا ، ولا يمكن التقرير عليه .

                        قال الزركشي : والذي في مختصر التقريب من كلام القاضي : أن قياس الشبه هو إلحاق فرع بأصل ; لكثرة إشباهه للأصل في الأوصاف من غير أن يعتقد أن الأوصاف التي شابه الفرع بها الأصل علة حكم الأصل .

                        وقيل : الشبه : هو الذي لا يكون مناسبا للحكم ، ولكن عرف اعتبار جنسه القريب في الجنس القريب .

                        واختلف في الفرق بينه وبين الطرد ، فقيل : إن الشبه الجمع بينهما بوصف يوهم المناسبة ، كما تقدم . والطرد : الجمع بينهما بمجرد الطرد ، وهو السلامة عن النقض ونحوه .

                        وقال الغزالي في المستصفى : الشبه لا بد أن يزيد على الطرد بمناسبة الوصف الجامع [ ص: 636 ] لعلة الحكم وإن لم يناسب الحكم ، قال : وإن لم يريدوا بقياس الشبه هذا ، فلا أدري ما أرادوا به ، وبما فصلوه عن الطرد المحض .

                        والحاصل : أن الشبهي والطردي يجتمعان في عدم الظهور في المناسب ، ويتخالفان في أن الطردي عهد من الشارع عدم الالتفات إليه ، وسمي شبها; لأنه باعتبار عدم الوقوف على المناسبة يجزم المجتهد بعدم مناسبته ، ومن حيث اعتبار الشرع له في بعض الصور يشبه المناسب ، فهو بين المناسب والطردي .

                        وفرق إمام الحرمين بين الشبه والطرد ، بأن الطرد; نسبة ثبوت الحكم إليه ونفيه على السواء ، والشبه نسبة الثبوت إليه مترجحة على نسبة النفي; فافترقا .

                        قال ابن الحاجب في مختصر المنتهى : ويتميز ، يعني الشبه عن الطردي بأن وجوده كالعدم ، وعن المناسب الذاتي بأن مناسبته عقلية ، وإن لم يرد الشرع به كالإسكار في التحريم .

                        مثاله : طهارة تراد للصلاة ، فيتعين الماء ، كطهارة الحدث ، فالمناسبة غير ظاهرة ، واعتبارها في مس المصحف والصلاة يوهم المنسابة انتهى .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية