الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج عبد الرزاق ، وأحمد ، وعبد بن حميد والبخاري والترمذي ، وابن جرير وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه من طرق عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن موسى كان رجلا حييا ستيرا لا يرى من جلده شيء استحياء منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل وقالوا : ما يستتر هذا الستر إلا من عيب بجلده، إما برص وإما أدرة، وإما آفة، وإن الله أراد أن يبرئه مما قالوا، وإن موسى خلا يوما وحده، فوضع ثيابه على حجر ثم اغتسل، فلما فرغ [ ص: 150 ] أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإن الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر، فجعل يقول : ثوبي حجر، ثوبي حجر حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله وأبرأه مما يقولون، وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه، وطفق بالحجر ضربا بعصاه، فوالله إن بالحجر لندبا من أثر ضربه، ثلاثا، أو أربعا أو خمسا، فذلك قوله : يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البزار ، وابن الأنباري في "المصاحف" وابن مردويه عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كان موسى رجلا حييا، وإنه أتى الماء ليغتسل فوضع ثيابه على صخرة، وكان لا يكاد تبدو عورته، فقالت بنو إسرائيل : إن موسى آدر أو به آفة - يعنون أنه لا يضع ثيابه، فاحتملت الصخرة ثيابه حتى صارت بحذاء مجالس بني إسرائيل فنظروا إلى موسى كأحسن الرجال، فأنزل الله : يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 151 ] وأخرج أحمد عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن موسى بن عمران كان إذا أراد أن يدخل الماء لم يلق ثوبه حتى يواري عورته في الماء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"، وابن جرير ، وابن المنذر ، والحاكم وصححه، وابن مردويه ، عن ابن عباس في قوله : لا تكونوا كالذين آذوا موسى قال : قال له قومه : إنه آدر، فخرج ذات يوم يغتسل، فوضع ثيابه على صخرة فخرجت الصخرة تشتد بثيابه، فخرج موسى يتبعها عريانا حتى انتهت به إلى مجالس بني إسرائيل فرأوه وليس بآدر، فذلك قوله : فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن منيع، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه، وابن مردويه ، عن ابن عباس عن علي بن أبي طالب في قوله : لا تكونوا كالذين آذوا موسى قال : صعد موسى وهارون الجبل، فمات هارون، فقالت بنو إسرائيل لموسى : أنت قتلته كان أشد حبا لنا منك وألين، فآذوه من ذلك، فأمر الله الملائكة فحملته، فمروا به على مجالس بني إسرائيل وتكلمت الملائكة بموته حتى علموا بموته، فبرأه الله من ذلك، فانطلقوا به فدفنوه، ولم يعرف قبره إلا الرخم، وإن الله جعله أصم أبكم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 152 ] وأخرج الحاكم وصححه من طريق السدي ، عن أبي مالك، عن ابن عباس ، وعن مرة عن ابن مسعود، وناس من الصحابة، أن الله أوحى إلى موسى : إني متوف هارون فائت به جبل كذا وكذا، فانطلقا نحو الجبل، فإذا هم بشجرة وبيت فيه سرير عليه فرش وريح طيب، فلما نظر هارون إلى ذلك الجبل والبيت وما فيه أعجبه، قال : يا موسى إني أحب أن أنام على هذا السرير . قال : نم عليه . قال : نم معي، فلما ناما أخذ هارون الموت، فلما قبض رفع ذلك البيت، وذهبت تلك الشجرة، ورفع السرير إلى السماء، فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل قالوا : قتل هارون وحسده؛ حب بني إسرائيل له، وكان هارون أكف عنهم وألين لهم، وكان في موسى بعض الغلظة عليهم، فلما بلغه ذلك قال : ويحكم! إنه كان أخي، أفتروني أقتله؟ فلما أكثروا عليه، قام يصلي ركعتين ثم دعا الله فنزل بالسرير حتى نظروا إليه بين السماء والأرض، فصدقوه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : أنزل الله يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا قال : لا تؤذوا محمدا كما آذى قوم موسى موسى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري ومسلم ، وابن أبي حاتم ، عن ابن مسعود قال : قسم [ ص: 153 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم قسما، فقال رجل : إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله . فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فاحمر وجهه ثم قال : رحمة الله على موسى، لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله : وكان عند الله وجيها قال : مستجاب الدعوة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي سنان، عمن حدثه في قوله : وكان عند الله وجيها قال : ما سأل موسى ربه شيئا قط إلا أعطاه إياه، إلا النظر .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية