الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 2681 ) مسألة : قال : ( وهو مخير ، إن شاء فداه بالنظير ، أو قوم النظير بدراهم ، ونظر كم يجيء به طعاما ، فأطعم كل مسكين مدا ، أو صام عن كل مد يوما ، معسرا كان أو موسرا ) في هذه المسألة أربعة فصول ( 2682 ) الفصل الأول ، إن قاتل الصيد مخير في الجزاء بأحد هذه الثلاثة ، بأيها شاء كفر ، موسرا كان أو [ ص: 275 ] معسرا . وبهذا قال مالك ، والشافعي ، وأصحاب الرأي .

                                                                                                                                            وعن أحمد رواية ثانية ، أنها على الترتيب ، فيجب المثل أولا ، فإن لم يجد أطعم ، فإن لم يجد صام . وروي هذا عن ابن عباس ، والثوري ; لأن هدي المتعة على الترتيب .

                                                                                                                                            وهذا أوكد منه ; لأنه بفعل محظور . وعنه رواية ثالثة ، أنه لا إطعام في الكفارة ، وإنما ذكر في الآية ليعدل الصيام ; لأن من قدر على الإطعام قدر على الذبح . هكذا قال ابن عباس . وهذا قول الشعبي ، وأبي عياض .

                                                                                                                                            ولنا ، قول الله تعالى { : هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما } . " وأو " في الأمر للتخيير . روي عن ابن عباس ، أنه قال : كل شيء أو أو ، فهو مخير .

                                                                                                                                            وأما ما كان فإن لم يوجد ، فهو الأول الأول . ولأن عطف هذه الخصال بعضها على بعض بأو ، فكان مخيرا بين ثلاثتها كفدية الأداء ، وقد سمى الله الطعام كفارة ، ولا يكون كفارة ما لم يجب إخراجه ، وجعله طعاما للمساكين ، وألا يجوز صرفه إليهم لا يكون طعاما لهم ، وعطف الطعام على الهدي ، ثم عطف الصيام عليه ، ولو لم يكن خصلة من خصالها لم يجز ذلك فيه . ولأنها كفارة ذكر فيها الطعام ، فكان من خصالها ، كسائر الكفارات . وقولهم : إنها وجبت بفعل محظور . يبطل بفدية الأذى . على أن لفظ النص صريح في التخيير ، فليس ترك مدلوله قياسا على هدي المتعة بأولى من العكس ، فلا يجوز قياس هدي المتعة في التخيير على هذا ، لما يتضمنه من ترك النص ، كذا هاهنا . ( 2683 )

                                                                                                                                            الفصل الثاني إذا اختار المثل ، ذبحه ، وتصدق به على مساكين الحرم ; لأن الله تعالى قال : { هديا بالغ الكعبة } . ولا يجزئه أن يتصدق به حيا على المساكين ; لأن الله تعالى سماه هديا ، والهدي يجب ذبحه ، وله ذبحه أي وقت شاء ، ولا يختص ذلك بأيام النحر ( 2684 ) . الفصل الثالث ، أنه متى اختار الإطعام ، فإنه يقوم المثل بدراهم ، والدراهم بطعام ، ويتصدق به على المساكين . وبهذا قال الشافعي .

                                                                                                                                            وقال مالك : يقوم الصيد لا المثل ; لأن التقويم إذا وجب لأجل الإتلاف ، قوم المتلف ، كالذي لا مثل له . ولنا ، أن كل ما تلف وجب فيه المثل إذا قوم لزمت قيمة مثله ، كالمثلي من مال الآدمي ، ويعتبر قيمة المثل في الحرم ; لأنه يحل إحرامه ، ولا يجزئ إخراج القيمة ; لأن الله تعالى خير بين ثلاثة أشياء ليست القيمة منها ، والطعام المخرج هو الذي يخرج في الفطرة وفدية الأذى ، وهو الحنطة والشعير والتمر والزبيب . ويحتمل أن يجزئ كل ما يسمى طعاما ; لدخوله في إطلاق اللفظ ، ويعطي كل مسكين مدا من البر ، كما يدفع إليه في كفارة اليمين ، فأما بقية الأصناف فنصف صاع لكل مسكين . نص عليه أحمد ، فقال في إطعام المساكين في الفدية ، وجزاء كفارة اليمين : إن أطعم برا ، فمد طعام لكل مسكين .

                                                                                                                                            وإن أطعم تمرا فنصف صاع لكل مسكين . وأطلق الخرقي لكل مسكين ، ولم يفرق . والأولى أنه لا يجزئ من غير البر أقل من نصف صاع ، إذ لم يرد الشرع في موضع بأقل من ذلك في طعمة المساكين ، ولا توقيف فيه ، فيرد إلى نظائره . ولا يجزئ إخراج لمساكين الحرم ; لأن قيمة الهدي الواجب لهم فيكون أيضا لهم ، كقيمة المثلي من مال الآدمي [ ص: 276 ]

                                                                                                                                            ( 2685 ) الفصل الرابع في الصيام ، فعن أحمد أنه يصوم عن كل مد يوما . وهو ظاهر قول عطاء ، ومالك ، والشافعي ; لأنها كفارة دخلها الصيام والإطعام ، فكان اليوم في مقابلة المد ، ككفارة الظهار .

                                                                                                                                            وعن أحمد ، أنه يصوم عن كل نصف صاع يوما . وهو قول ابن عقيل ، والحسن ، والنخعي ، والثوري ، وأصحاب الرأي وابن المنذر .

                                                                                                                                            قال القاضي : المسألة رواية ، واحدة ، واليوم عن مد بر أو نصف صاع من غيره ، وكلام أحمد في الروايتين محمول على اختلاف الحالين ; لأن صوم اليوم مقابل بإطعام المسكين ، وإطعام المسكين مد بر أو نصف صاع من غيره ، ولأن الله تعالى جعل اليوم في كفارة الظهار في مقابلة إطعام المسكين ، فكذا هاهنا وروي عن أبي ثور ، أن جزاء الصيد من الطعام والصيام مثل كفارة الأذى . وروي ذلك عن ابن عباس .

                                                                                                                                            ولنا ، أنه جزاء عن متلف فاختلف باختلافه ، كبدل مال الآدمي ، وإذا بقي ما لا يعدل كدون المد ، صام يوما كاملا . كذلك قال عطاء ، والنخعي ، وحماد ، والشافعي ، وأصحاب الرأي . ولا نعلم أحدا خالفهم ; لأن الصوم لا يتبعض ، فيجب تكميله . ولا يجب التتابع في الصيام . وبه قال الشافعي ، وأصحاب الرأي ; فإن الله تعالى أمر به مطلقا ، فلا يتقيد بالتتابع من غير دليل .

                                                                                                                                            ولا يجوز أن يصوم عن بعض الجزاء ، ويطعم عن بعض . نص عليه أحمد . وبه قال الشافعي ، والثوري ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وابن المنذر . وجوزه محمد بن الحسن إذا عجز عن بعض الإطعام . ولا يصح ; لأنها كفارة واحدة ، فلا يؤدي بعضها بالإطعام وبعضها بالصيام ، كسائر الكفارات .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية