الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : يعملون له ما يشاء الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله : يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل قال : من شبه ورخام .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : من محاريب . قال : بنيان دون القصور، وتماثيل قال : من نحاس، وجفان قال : صحاف، (كالجوابي) قال : الجفنة مثل الجوبة من الأرض . وقدور راسيات قال : عظام .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية في الآية قال : المحاريب القصور، والتماثيل الصور، وجفان كالجواب قال : كالجوبة من الأرض .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 173 ] وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر وابن حاتم، عن قتادة في قوله : من محاريب قال : قصور ومساجد، وتماثيل قال : من رخام وشبه، (وجفان كالجوابي) . قال : كالحياض، وقدور راسيات قال : ثابتات لا يزلن عن مكانهن، كن يرين بأرض اليمن .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" عن ابن عباس في قوله : وتماثيل قال : اتخذ سليمان تماثيل من نحاس، فقال : يا رب انفخ فيها الروح، فإنها أقوى على الخدمة، فنفخ الله فيها الروح، فكانت تخدمه، وكان إسفنديار من بقاياهم، فقيل لداود وسليمان : اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن الضحاك في قوله : من محاريب قال : المساجد، وتماثيل قال : الصور (وجفان كالجوابي) قال : كحياض الإبل العظام، وقدور راسيات قال : قدور عظام كانوا ينحتونها من الجبال .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 174 ] وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : (وجفان كالجوابي) قال : كالجوبة من الأرض وقدور راسيات قال : أثافيها منها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله : (وجفان كالجوابي) قال : كالحياض الواسعة، تسع الجفنة الجزور . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم، أما سمعت طرفة بن العبد وهو يقول :

                                                                                                                                                                                                                                      كالجوابي لا تني مترعة لقرى الأضياف أو للمحتضر



                                                                                                                                                                                                                                      وقال أيضا :


                                                                                                                                                                                                                                      يجبر المحروب فينا ماله     بقباب وجفان وخدم



                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن الحسن : (وجفان كالجوابي) . قال : كالحياض ! [ ص: 175 ] وقدور راسيات قال : القدور العظام التي لا تحرك من مكانها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الفريابي ، وعبد بن حميد عن سعيد بن جبير : وقدور راسيات . قال : عظام تفرغ إفراغا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : اعملوا آل داود شكرا قال : اعملوا شكرا لله على ما أنعم به عليكم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي في "شعب الإيمان" عن ابن شهاب في قوله : اعملوا آل داود شكرا قال : قولوا : الحمد لله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في "الزهد"، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في "شعب الإيمان" عن ثابت البناني قال : بلغنا أن داود عليه السلام جزأ الصلاة على بيوته، على نسائه وولده، فلم تكن تأتي ساعة من الليل والنهار إلا وإنسان قائم من آل داود يصلي فعمتهم هذه الآية : اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الفريابي ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد قال : قال داود لسليمان : قد ذكر الله الشكر، فاكفني قيام النهار أكفك قيام الليل، قال : لا أستطيع . قال : فاكفني إلى صلاة الظهر، فكفاه .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 176 ] وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن محمد بن كعب القرظي في هذه الآية قال : الشكر تقوى الله والعمل بطاعته .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن الفضيل قال : قال داود : يا رب، كيف أشكرك والشكر نعمة منك؟ قال : الآن شكرتني حين علمت أن النعم مني .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد بن حنبل في "الزهد"، وابن المنذر ، والبيهقي في "شعب الإيمان" عن المغيرة بن عتبة قال : قال داود : يا رب، هل بات أحد من خلقك الليلة أطول ذكرا لك مني؟ فأوحى الله إليه : نعم، الضفدع وأنزل الله على داود : اعملوا آل داود شكرا، فقال داود : يا رب، كيف أطيق شكرك وأنت الذي تنعم علي ثم ترزقني على النعمة الشكر؟ فالنعمة منك والشكر منك فكيف أطيق شكرك؟ قال : يا داود الآن عرفتني حق معرفتي .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد في "الزهد"، وابن أبي الدنيا في كتاب "الشكر"، والبيهقي في "شعب الإيمان" عن أبي الجلد قال : قرأت في مسألة داود أنه قال : أي رب، كيف لي أن أشكرك، وأنا لا أصل إلى شكرك إلا بنعمتك؟ قال : فأتاه الوحي : أن يا داود أليس تعلم أن الذي بك من النعم مني؟ قال : بلى [ ص: 177 ] يا رب . قال : فإني أرضى بذلك منك شكرا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن الحسن قال : قال داود : إلهي، لو أن لكل شعرة مني لسانين يسبحانك الليل والنهار والدهر كله، ما قضيت حق نعمة واحدة من نعمك علي .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر عن السدي في قوله : اعملوا آل داود شكرا قال : لم ينفك منهم مصل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في "شعب الإيمان" عن مسعر قال : لما قيل لهم : اعملوا آل داود شكرا لم يأت على القوم ساعة إلا ومنهم مصل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر عن عطاء بن يسار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الناس على المنبر، وقرأ هذه الآية : اعملوا آل داود شكرا قال : "ثلاث من أوتيهن فقد أوتي ما أوتي آل داود" . قيل : وما هن يا رسول الله؟ قال : العدل في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، وذكر الله في السر والعلانية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرجه ابن مردويه من طريق عطاء بن يسار، عن حفصة مرفوعا به . وأخرجه الحكيم الترمذي من طريق عطاء بن يسار، عن أبي هريرة .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 178 ] مرفوعا به .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرجه ابن النجار في "تاريخه" من طريق عطاء بن يسار عن أبي ذر، مرفوعا به، وقال : "خشية الله في السر والعلانية" والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية