الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما بيان ما يصير به المقيم مسافرا : فالذي يصير المقيم به مسافرا نية مدة السفر والخروج من عمران المصر فلا بد من اعتبار ثلاثة أشياء : أحدها : مدة السفر وأقلها غير مقدر عند أصحاب الظواهر ، وعند عامة العلماء مقدر ، واختلفوا في التقدير قال أصحابنا : مسير ثلاثة أيام سير الإبل ومشي الأقدام وهو المذكور في ظاهر الروايات .

                                                                                                                                وروي عن أبي يوسف يومان وأكثر الثالث ، وكذا روى الحسن عن أبي حنيفة وابن سماعة عن محمد ومن مشايخنا من قدره بخمسة عشر فرسخا وجعل لكل يوم خمس فراسخ ، ومنهم من قدره بثلاث مراحل .

                                                                                                                                وقال مالك : أربعة برد كل بريد اثنا عشر ميلا ، واختلفت أقوال الشافعي فيه ، قيل : ستة وأربعون ميلا وهو قريب من قول بعض مشايخنا ; لأن العادة أن القافلة لا تقطع في يوم أكثر من خمسة فراسخ ، وقيل : يوم وليلة .

                                                                                                                                وهو قول الزهري والأوزاعي ، وأثبت أقواله أنه مقدر بيومين ، أما أصحاب الظواهر فاحتجوا بظاهر قوله تعالى { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } علق القصر بمطلق الضرب في الأرض فالتقدير تقييد لمطلق الكتاب ولا يجوز إلا بدليل .

                                                                                                                                ( ولنا ) ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { يمسح المقيم يوما وليلة ، والمسافر ثلاثة أيام ولياليها } جعل لكل مسافر أن يمسح ثلاثة أيام ولياليها ولن يتصور أن يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليها ومدة السفر أقل من هذه المدة .

                                                                                                                                وقال النبي صلى الله عليه وسلم { : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر [ ص: 94 ] ثلاثة أيام إلا مع محرم أو زوج } فلو لم تكن المدة مقدرة بالثلاث لم يكن لتخصيص الثلاث معنى ، والحديثان في حد الاستفاضة والاشتهار فيجوز نسخ الكتاب بهما إن كان تقييد المطلق نسخا مع ما أنه لا حجة لهم في الآية ; لأن الضرب في الأرض في اللغة : عبارة عن السير فيها مسافرا ، يقال ضرب في الأرض أي : سار فيها مسافرا ، فكان الضرب في الأرض عبارة عن سير يصير الإنسان به مسافرا لا مطلق السير ، والكلام في أنه هل يصير مسافرا بسير مطلق من غير اعتبار المدة ؟ وكذا مطلق الضرب في الأرض يقع على سير يسمى سفرا ، والنزاع في تقديره شرعا والآية ساكتة عن ذلك وقد ورد الحديث بالتقدير فوجب العمل به " والله الموفق " ( واحتج ) مالك بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { : يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة فيما دون مكة إلى عسفان } وذلك أربعة برد وهو غريب فلا يقبل خصوصا في معارضة المشهور .

                                                                                                                                ( وجه ) قول الشافعي أن الرخصة إنما تثبت لضرب مشقة يختص بها المسافرون وهي مشقة الحمل ، والسير ، والنزول ; لأن المسافر يحتاج إلى حمل رحله من غير أهله ، وحطه في غير أهله والسير ، وهذه المشقات تجتمع في يومين ; لأنه في اليوم الأول يحط الرحل في غير أهله ، وفي اليوم الثاني يحمله من غير أهله ، والسير موجود في اليومين بخلاف اليوم الواحد ; لأنه لا يوجد فيه إلا مشقة السير ; لأنه يحمل الرحل من وطنه ويحطه في موضع الإقامة فيقدر بيومين لهذا .

                                                                                                                                ( ولنا ) ما روينا من الحديثين ; ولأن وجوب الإكمال كان ثابتا بدليل مقطوع به فلا يجوز رفعه إلا بمثله ، وما دون الثلاث مختلف فيه ، والثلاث مجمع عليه فلا يجوز رفعه بما دون الثلاث وما ذكر من المعنى يبطل بمن سافر يوما على قصد الرجوع إلى وطنه فإنه يلحقه مشقة الحمل والحط والسير على ما ذكر ، ومع هذا لا يقصر عنده ، وبه تبين أن الاعتبار لاجتماع المشقات في يوم واحد وذلك بثلاثة أيام ; لأنه يلحقه في اليوم الثاني مشقة حمل الرحل من غير أهله والسير وحطه في غير أهله وإنما قدرنا بسير الإبل ومشي الأقدام ; لأنه الوسط ; لأن أبطأ السير سير العجلة ، والأسرع سير الفرس والبريد ، فكان أوسط أنواع السير سير الإبل ومشي الأقدام .

                                                                                                                                وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم { خير الأمور أوساطها } ولأن الأقل والأكثر يتجاذبان فيستقر الأمر على الوسط وعلى هذا يخرج ما روي عن أبي حنيفة فيمن سار في الماء يوما وذلك في البر ثلاثة أيام أنه يقصر الصلاة ; لأنه لا عبرة للإسراع ، وكذا لو سار في البر إلى موضع في يوم أو يومين وأنه بسير الإبل والمشي المعتاد ثلاثة أيام يقصر اعتبارا للسير المعتاد ، وعلى هذا إذا سافر في الجبال والعقبات أنه يعتبر مسيرة ثلاثة أيام فيها لا في السهل ، فالحاصل أن التقدير بمسيرة ثلاثة أيام أو بالمراحل في السهل والجبل والبر والبحر ثم يعتبر في كل ذلك السير المعتاد فيه وذلك معلوم عند الناس فيرجع إليهم عند الاشتباه ، والتقدير بالفراسخ غير سديد ; لأن ذلك يختلف باختلاف الطريق .

                                                                                                                                وقال أبو حنيفة : إذا خرج إلى مصر في ثلاثة أيام وأمكنه أن يصل إليه من طريق آخر في يوم واحد قصر وقال الشافعي : إن كان لغرض صحيح قصر ، وإن كان من غير غرض صحيح لم يقصر ويكون كالعاصي في سفره ، والصحيح قولنا ; لأن الحكم معلق بالسفر فكان المعتبر مسيرة ثلاثة أيام على قصد السفر وقد وجد والثاني : نية مدة السفر لأن السير قد يكون سفرا وقد لا يكون ; لأن الإنسان قد يخرج من مصره إلى موضع لإصلاح الضيعة ثم تبدو له حاجة أخرى إلى المجاوزة عنه إلى موضع آخر ليس بينهما مدة سفر ثم وثم إلى أن يقطع مسافة بعيدة أكثر من مدة السفر لا لقصد السفر فلا بد من النية للتمييز ، والمعتبر في النية هو نية الأصل دون التابع حتى يصير العبد مسافرا بنية مولاه ، والزوجة بنية الزوج ، وكل من لزمه طاعة غيره كالسلطان وأمير الجيش ; لأن حكم التبع حكم الأصل .

                                                                                                                                وأما الغريم مع صاحب الدين : فإن كان مليا فالنية إليه ; لأنه يمكنه قضاء الدين والخروج من يده ، وإن كان مفلسا فالنية إلى الطالب ; لأنه لا يمكنه الخروج من يده فكان تابعا له والثالث : الخروج من عمران المصر فلا يصير مسافرا بمجرد نية السفر ما لم يخرج من عمران المصر وأصله ما روي عن علي رضي الله عنه أنه لما خرج من البصرة يريد الكوفة صلى الظهر أربعا ثم نظر إلى خص أمامه وقال : لو جاوزنا الخص صلينا ركعتين ولأن النية إنما تعتبر إذا كانت مقارنة للفعل ; لأن مجرد العزم عفو ، وفعل السفر لا يتحقق إلا بعد الخروج من المصر فما لم يخرج لا يتحقق قران النية بالفعل فلا يصير [ ص: 95 ] مسافرا .

                                                                                                                                وهذا بخلاف المسافر إذا نوى الإقامة في موضع صالح للإقامة حيث يصير مقيما للحال ; لأن نية الإقامة هناك قارنت الفعل " وهو ترك السفر " ; لأن ترك الفعل فعل فكانت معتبرة ، وههنا بخلافه وسواء خرج في أول الوقت أو في وسطه أو في آخره حتى لو بقي من الوقت مقدار ما يسع لأداء ركعتين فإنه يقصر في ظاهر قول أصحابنا .

                                                                                                                                وقال محمد بن شجاع البلخي وإبراهيم النخعي : إنما يقصر إذا خرج قبل الزوال ، فأما إذا خرج بعد الزوال فإنه يكمل الظهر ، وإنما يقصر العصر وقال الشافعي : إذا مضى من الوقت مقدار ما يمكنه أداء أربع ركعات فيه يجب عليه الإكمال ، ولا يجوز له القصر وإن مضى دون ذلك ، اختلف أصحابه فيه ، وإن بقي من الوقت مقدار ما يسع لركعة واحدة لا غير أو للتحريمة فقط يصلي ركعتين عندنا ، وعند زفر يصلي أربعا .

                                                                                                                                ( أما ) الكلام في المسألة الأولى فبناء على أن الصلاة تجب في أول الوقت أو في آخره فعندهم تجب في أول الوقت فكلما دخل الوقت أو مضى منه مقدار ما يسع لأداء الأربع وجب عليه أداء أربع ركعات فلا يسقط شطرها بسبب السفر بعد ذلك ، كما إذا صارت دينا في الذمة بمضي الوقت ثم سافر لا يسقط الشطر كذا ههنا ، وعند المحققين من أصحابنا لا تجب في أول الوقت على التعيين وإنما تجب في جزء من الوقت غير معين ، وإنما التعيين إلى المصلي من حيث الفعل حتى أنه إذا شرع في أول الوقت يجب في ذلك الوقت ، وكذا إذا شرع في وسطه أو آخره ، ومتى لم يعين بالفعل حتى بقي من الوقت مقدار ما يصلي فيه أربعا وهو مقيم يجب عليه تعيين ذلك الوقت للأداء فعلا حتى يأثم بترك التعيين ، وإن كان لا يتعين للأداء بنفسه شرعا حتى لو صلى فيه التطوع جاز ، وإذا كان كذلك لم يكن أداء الأربع واجبا قبل الشروع فإذا نوى السفر وخرج من العمران حتى صار مسافرا تجب عليه صلاة المسافرين ، ثم إن كان الوقت فاضلا على الأداء يجب عليه أداء ركعتين في جزء من الوقت غير معين ويتعين ذلك بفعله ، وإن لم يتعين بالفعل إلى آخر الوقت يتعين آخر الوقت لوجوب تعيينه للأداء فعلا ، وكذا إذا لم يكن الوقت فاضلا على الأداء ولكنه يسع للركعتين يتعين للوجوب ويبنى على هذا الأصل : الطاهرة إذا حاضت في آخر الوقت أو نفست والعاقل إذا جن أو أغمي عليه والمسلم إذا ارتد - والعياذ بالله وقد بقي من الوقت ما يسع الفرض لا يلزمهم الفرض عند أصحابنا ; لأن الوجوب يتعين في آخر الوقت عندنا إذا لم يوجد الأداء قبله فيستدعي الأهلية فيه لاستحالة الإيجاب على غير الأهل ولم يوجد ، وعندهم يلزمهم الفرض ; لأن الوجوب عندهم بأول الوقت ، والأهلية ثابتة في أوله ، ودلائل هذا الأصل تعرف في أصول الفقه ، ولو صلى الصبي الفرض في أول الوقت ثم بلغ تلزمه الإعادة عندنا خلافا للشافعي ، وكذا إذا أحرم بالحج ثم بلغ قبل الوقوف بعرفة لا يجزيه عن حجة الإسلام عندنا خلافا له .

                                                                                                                                ( وجه ) قوله أن عدم الوجوب عليه كان نظرا له ، والنظر هنا للوجوب كي لا تلزمه الإعادة فأشبه الوصية حيث صحت منه نظرا له وهو الثواب ولا ضرر فيه ; لأن ملكه يزول بالميراث إن لم يزل بالوصية .

                                                                                                                                ( ولنا ) أن في نفس الوجوب ضررا فلا يثبت مع الصبي كما لو لم يبلغ فيه وإنما انقلب نفعا لحالة اتفقت " وهي البلوغ فيه " وأنه نادر فبقي عدم الوجوب ; لأنه نفع في الأصل المسلم إذا صلى ثم ارتد عن الإسلام - والعياذ بالله - ثم أسلم في الوقت فعليه إعادة الصلاة عندنا وعند الشافعي لا إعادة عليه وعلى هذا الحج ، واحتج بقوله تعالى { حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة } علق حبط العمل بالموت على الردة دون نفس الردة ; لأن الردة حصلت بعد الفراغ من القربة فلا يبطلها كما لو تيمم ثم ارتد عن الإسلام ثم أسلم .

                                                                                                                                ( ولنا ) قوله تعالى { ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله } وقوله تعالى { ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون } علق حبط العمل بنفس الإشراك بعد الإيمان .

                                                                                                                                وأما الآية فنقول : من علق حكما بشرطين وعلقه بشرط فالحكم يتعلق بكل واحد من التعليقين وينزل عند أيهما وجد كمن قال لعبده : أنت حر إذا جاء يوم الخميس ثم قال له : أنت حر إذا جاء يوم الجمعة لا يبطل واحد منهما بل إذا جاء يوم الخميس عتق ولو كان باعه فجاء يوم الخميس ولم يكن في ملكه ثم اشتراه فجاء يوم الجمعة وهو في ملكه عتق بالتعليق الآخر .

                                                                                                                                وأما التيمم : فهو ليس بعبادة وإنما هو طهارة وأثر الردة في إبطال العبادات ، إلا أنه لا ينعقد مع الكفر لعدم الحاجة ، والحاجة ههنا متحققة والردة لا تبطلها لكونه مجبورا على الإسلام فبقيت [ ص: 96 ] الحاجة على ما ذكرنا في فصل التيمم ( وأما ) الكلام في المسألة الثانية فبناء على أصل مختلف بين أصحابنا وهو مقدار ما يتعلق به الوجوب في آخر الوقت ، قال الكرخي وأكثر المحققين من أصحابنا : إن الوجوب يتعلق بآخر الوقت بمقدار التحريمة وقال زفر : لا يجب إلا إذا بقي من الوقت مقدار ما يؤدى فيه الفرض وهو اختيار القدوري وبني على هذا الأصل : الحائض إذا طهرت في آخر الوقت وبلغ الصبي وأسلم الكافر وأفاق المجنون والمغمى عليه وأقام المسافر أو سافر المقيم وهي مسألة الكتاب فعلى قول زفر ومن تابعه من أصحابنا : لا يجب الفرض ولا يتغير إلا إذا بقي من الوقت مقدار ما يمكن فيه الأداء ، وعلى القول المختار يجب الفرض ويتغير الأداء وإن بقي مقدار ما يسع للتحريمة فقط .

                                                                                                                                ( وجه ) قول زفر أن وجوب الأداء يقتضي تصور الأداء ، وأداء كل الفرض في هذا القدر لا يتصور فاستحال وجوب الأداء .

                                                                                                                                ( ولنا ) أن آخر الوقت يجب تعيينه على المكلف للأداء فعلا على ما مر ، فإن بقي مقدار ما يسع لكل الصلاة يجب تعيينه لكل الصلاة فعلا بالأداء ، وإن بقي مقدار ما يسع للبعض وجب تعيينه لذلك البعض ; لأن تعيين كل الوقت لكل العبادة تعيين كل أجزائه لكل أجزائها ضرورة ، وفي تعيين جزء من الوقت لجزء من الصلاة فائدة وهي أن الصلاة لا تتجزأ فإذا وجب البعض فيه وجب الكل فيما يتعقبه من الوقت إن كان لا يتعقبه وقت مكروه ، وإن تعقبه يجب الكل ليؤدى في وقت آخر ، وإذا لم يبق من الوقت إلا قدر ما يسع التحريمة وجب تحصيل التحريمة ثم تجب بقية الصلاة لضرورة وجوب التحريمة فيؤديها في الوقت المتصل به فيما وراء الفجر ، وفي الفجر يؤديها في وقت آخر ; لأن الوجوب على التدريج الذي ذكرنا قد تقرر وقد عجز عن الأداء فيقضي ، وهذا بخلاف الكافر إذا أسلم بعد طلوع الفجر من يوم رمضان حيث لا يلزمه صوم ذلك اليوم ; لأن هناك الوقت معيار للصوم فكل جزء منه على الإطلاق لا يصلح للجزء الأول من العبادة بل الجزء الأول من الوقت متعين للجزء الأول من العبادة ثم الثاني منه للثاني منها والثالث للثالث وهكذا فلا يتصور وجوب الجزء الأول من العبادة في الجزء الثاني أو الخامس من الوقت ولا الجزء الخامس من العبادة من الجزء السادس من الوقت فإذا فات الجزء الأول من الوقت وهو ليس بأهل فلم يجب الجزء الأول من العبادة لاستحالة الوجوب على غير الأهل فبعد ذلك وإن أسلم في الجزء الثاني أو العاشر لا يتصور وجوب الجزء الأول من الصوم في ذلك الجزء من الوقت ; لأنه ليس بمحل لوجوبه فيه .

                                                                                                                                ولأن وجوب كل جزء من الصوم في جزء من الوقت وهو محل أدائه والجزء الثاني من اليوم لا يتصور أن يكون محلا للجزء الأول من العبادة فلا يتصور وجوب الجزء الأول فلا يتصور وجوب الجزء الآخر ; لأن الصوم لا يتجزأ وجوبا ولا أداء بخلاف الصلاة ; لأن هناك كل جزء مطلق من الوقت يصلح أن يجب فيه الجزء الأول من الصلاة ، إذ التحريمة منها في ذلك الوقت ; لأن الوقت ليس بمعيار للصلاة فهو الفرق - والله الموفق - ثم ما ذكرنا من تعلق الوجوب بمقدار التحريمة في حق الحائض إذا كانت أيامها عشرا فأما إذا كانت أيامها دون العشرة فإنما تجب عليها الصلاة إذا طهرت وعليها من الوقت مقدار ما تغتسل فيه ، فإن كان عليها من الوقت ما لا تستطيع أن تغتسل فيه أو لا تستطيع أن تتحرم للصلاة فليس عليها تلك الصلاة حتى لا يجب عليها القضاء ، والفرق أن أيامها إذا كانت أقل من عشرة لا يحكم بخروجها من الحيض بمجرد انقطاع الدم ما لم تغتسل ، أو يمضي عليها وقت صلاة تصير تلك الصلاة دينا عليها ، وإذا كانت أيامها عشرة بمجرد الانقطاع يحكم بخروجها عن الحيض فإذا أدركت جزءا من الوقت يلزمها قضاء تلك الصلاة سواء تمكنت من الاغتسال أو لم تتمكن بمنزلة كافر أسلم وهو جنب أو صبي بلغ بالاحتلام في آخر الوقت فعليه قضاء تلك الصلاة سواء تمكن من الاغتسال في الوقت أو لم يتمكن ، وهذا لأن الحيض هو خروج الدم في وقت معتاد فإذا انقطع الدم كان ينبغي أن يحكم بزواله ; لأن الأصل أن ما انعدم حقيقة انعدم حكما إلا أنا لا نحكم بخروجها من الحيض ما لم تغتسل إذا كانت أيامها أقل من عشرة لإجماع الصحابة رضي الله عنهم .

                                                                                                                                قال الشعبي حدثني بضعة عشر نفرا من الصحابة أن الزوج أحق برجعتها ما لم تغتسل وكان المعنى في ذلك أن نفس الانقطاع ليس بدليل على الطهارة ; لأن ذلك كثيرا ما يتخلل في زمان الحيض فشرطت زيادة [ ص: 97 ] شيء له أثر في التطهير وهو الاغتسال أو وجوب الصلاة عليها ; لأنه من أحكام الطهر بخلاف ما إذا كانت أيامها عشرا ; لأن هناك الإجماع ومثل هذا الدليل المعقول منعدمان ولأن الدليل قد قام لنا أن الحيض لا يزيد على العشرة وهذه المسألة تستقصى في كتاب الحيض وهل يباح للزوج قرانها قبل الاغتسال ؟ إذا كانت أيامها عشرا ؟ عند أصحابنا الثلاثة يباح ، وعند زفر لا يباح ما لم تغتسل ، وإذا كانت أيامها دون العشرة لا يباح للزوج قربانها قبل الاغتسال بالإجماع ، وإذا مضى عليها وقت صلاة فللزوج أن يقربها عندنا وإن لم تغتسل خلافا لزفر على ما يعرف في كتاب الحيض - إن شاء الله تعالى - .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية