الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون سلام قولا من رب رحيم

                                                                                                                                                                                                إلا صيحة واحدة قرئت منصوبة ومرفوعة ( فاليوم لا تظلم نفس شيئا . . . . . . . إن أصحاب الجنة اليوم في شغل ) حكاية ما يقال لهم في ذلك اليوم ، وفى مثل هذه الحكاية زيادة تصوير للموعود ، وتمكين له في النفوس ، وترغيب في الحرص عليه وعلى ما يثمره في شغل في أي شغل وفى شغل لا يوصف ، وما ظنك بشغل من سعد بدخول الجنة التي هي دار المتقين ، ووصل إلى نيل تلك الغبطة وذلك الملك الكبير والنعيم المقيم ، ووقع في تلك الملاذ التي أعدها الله للمرتضين من عباده ، ثوابا لهم على أعمالهم مع كرامة وتعظيم ، وذلك بعد الوله والصبابة ، والتفضي من مشاق التكليف ومضايق التقوى والخشية ، وتخطي الأهوال ، وتجاوز الأخطار وجواز الصراط . ومعاينة ما لقي العصاة من العذاب ، وعن ابن عباس : في افتضاض الأبكار . وعنه : في ضرب الأوتار . وعن ابن كيسان : في التزاور . وقيل : في ضيافة الله . وعن الحسن : شغلهم عما فيه أهل النار التنعم بما هم فيه . وعن الكلبي : هم شغل عن أهاليهم من أهل [ ص: 184 ] النار ، لا يهمهم أمرهم ولا يذكرونهم ، لئلا يدخل عليهم تنغيص في نعيمهم . قرئ : (فى شغل ) بضمتين وضمة وسكون ، وفتحتين ، وفتحة وسكون . والفاكه والفكه : المتنعم والمتلذذ : ومنه الفاكهة ; لأنها مما يتلذذ به ، وكذلك الفكاهة ، وهي المزاحة . وقرئ : (فاكهون ) و (فكهون ) ، بكسر الكاف وضمها ، وكقولهم : رجل حدث وحدث ، ونطس ونطس . وقرئ : (فاكهين ) و (فكهين ) ، على أنه حال والظرف مستقر . "هم " يحتمل أن يكون مبتدأ وأن يكون تأكيدا للضمير في في شغل وفى "فاكهون " على أن أزواجهم يشاركنهم في ذلك الشغل والتفكه والاتكاء على الأرائك تحت الظلال . وقرئ : (فى ظلل ) ، والأريكة : السرير في الحجلة . وقيل : الفراش فيها . وقرأ ابن مسعود : (متكين ) "يدعون " يفتعلون من الدعاء ، أي : يدعون به لأنفسهم ، كقولك : اشتوى واجتمل ، إذا شوى وجمل لنفسه . قال لبيد [من الرمل ] :



                                                                                                                                                                                                فاشتوى ليلة ريح واجتمل



                                                                                                                                                                                                ويجوز أن يكون بمعنى يتداعونه ، كقولك : ارتموه ، وتراموه . وقيل : يتمنون ، من قولهم : ادع علي ما شئت ، بمعنى تمنه علي ، وفلان في خير ما ادعى ، أي : في خير ما تمنى . قال الزجاج : وهو من الدعاء ، أي : ما يدعو به أهل الجنة يأتيهم . و "سلام " بدل مما يدعون ، كأنه قال لهم : سلام يقال لهم قولا من جهة رب رحيم ، والمعنى : أن الله يسلم عليهم بواسطة الملائكة ، أو بغير واسطة ، مبالغة في تعظيمهم وذلك متمناهم ، ولهم ذلك لا يمنعونه . قال ابن عباس : فالملائكة يدخلون عليهم بالتحية من رب العالمين . وقيل : ما يدعون ، مبتدأ وخبره "سلام " ، بمعنى : ولهم ما يدعون سالم [ ص: 185 ] خالص لا شوب فيه . و "قولا " مصدر مؤكد لقوله تعالى : ولهم ما يدعون سلام أي : عدة من رب رحيم . والأوجه : أن ينتصب على الاختصاص ، وهو من مجازه . وقرئ : (سلم ) وهو بمعنى السلام في المعنيين . وعن ابن مسعود : "سلاما " نصب على الحال ، أي : لهم مرادهم خالصا .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية