الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            كتاب النفقات باب نفقة الزوجة وتقديمها على نفقة الأقارب [ ص: 380 ] عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { : دينار أنفقته في سبيل الله ، ودينار أنفقته في رقبة ، ودينار تصدقت به على مسكين ، ودينار أنفقته على أهلك ، أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك } رواه أحمد ومسلم ) .

                                                                                                                                            2973 - ( وعن جابر : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل : { ابدأ بنفسك فتصدق عليها ، فإن فضل شيء فلأهلك ; فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك ; فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا } رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي ) .

                                                                                                                                            2974 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { تصدقوا ، قال رجل : عندي دينار ، قال : تصدق به على نفسك ، قال : عندي دينار آخر ، قال : تصدق به على زوجتك ، قال : عندي دينار آخر ، قال : تصدق به على ولدك ، قال : عندي دينار آخر ، قال : تصدق به على خادمك ، قال : عندي دينار آخر ، قال : أنت أبصر به } رواه أحمد والنسائي ، ورواه أبو داود لكنه قدم الولد على الزوجة ، واحتج به أبو عبيد في تحديد الغنى بخمسة دنانير ذهبا تقوية بحديث ابن مسعود في الخمسين درهما )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث أبي هريرة الآخر أخرجه أيضا الشافعي وابن حبان والحاكم قال ابن حزم : اختلف يحيى القطان والثوري ، فقدم يحيى الزوجة على الولد ، وقدم سفيان الولد على الزوجة ، فينبغي أن لا يقدم أحدهما على الآخر بل يكونان سواء لأنه قد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم ، تكلم ثلاثا ، فيحتمل أن يكون في إعادته إياه مرة قدم الولد ومرة قدم الزوجة فصارا سواء ; ولكنه يمكن ترجيح تقدم الزوجة على الولد بما وقع من تقديمها في حديث جابر المذكور في الباب ، وهكذا قال الحافظ في التلخيص وحديث أبي هريرة [ ص: 381 ] الأول فيه دليل على أن الإنفاق على أهل الرجل أفضل من الإنفاق في سبيل الله ومن الإنفاق في الرقاب ومن التصدق على المساكين

                                                                                                                                            وحديث جابر فيه دليل على أنه لا يجب على الرجل أن يؤثر زوجته وسائر قرابته بما يحتاج إليه في نفقة نفسه ثم إذا فضل عن حاجة نفسه شيء فعليه إنفاقه على زوجته وقد انعقد الإجماع على وجوب نفقة الزوجة ، ثم إذا فضل عن ذلك شيء فعلى ذوي قرابته ، ثم إذا فضل عن ذلك شيء فيستحب له التصدق بالفاضل ، والمراد بقوله : " هكذا وهكذا " أي يمينا وشمالا كناية عن التصدق واعلم أنه قد وقع الإجماع على أنه يجب على الولد الموسر مئونة الأبوين المعسرين كما حكى ذلك في البحر ، واستدل له بقوله تعالى : { وبالوالدين إحسانا } ثم قال : ولو كانا كافرين لقوله تعالى: { وإن جاهداك } ، و { أنت ومالك لأبيك } ثم حكى بعد حكاية الإجماع المتقدم عن العترة والفريقين أن الأم المعسرة كالأب في وجوب نفقتها

                                                                                                                                            واستدل له بقوله صلى الله عليه وسلم : { أمك ثم أمك } الخبر وحكى عن مالك الخلاف في الجد لعدم الدليل وأجاب عليه بأن هذا الخبر دليل ، وعلى فرض عدم الدليل فبالقياس على الأب ، ثم قال : وكذا الخلاف في الجد أبي الأب ثم حكى عن عمر وابن أبي ليلى والحسن بن صالح والعترة وأحمد بن حنبل وأبي ثور أنها تجب النفقة لكل معسر على كل موسر إذا كانت ملتهما واحدة وكانا يتوارثان واستدل لذلك بقوله تعالى : { وعلى الوارث مثل ذلك } واللام للجنس وحكى عن أبي حنيفة وأصحابه أنها إنما تلزم للرحم المحرم فقط ، وعن الشافعي وأصحابه لا تجب إلا للأصول والفصول فقط

                                                                                                                                            وعن مالك : لا تجب إلا للولد والوالد فقط . وقد أجيب عن الاستدلال بالآية المذكورة بمنع دلالتها على المطلوب ودعوى أن الإشارة بقوله ذلك إلى عدم المضارة ، وعلى التسليم فالمراد وارث الأب بعد موته والأولى أن يقال : لفظ الوارث فيه احتمالات : أحدها : أن يراد المولود له المذكور في صدر الآية وهو المولود ، وقد قال بهذا قبيصة بن ذؤيب الثاني : أن يراد وارث المولود ، وبه قال الجمهور من السلف وأحمد وإسحاق وأبو ثور

                                                                                                                                            الثالث : أن يراد به الباقي من الأبوين بعد الآخر ، وبه قال سفيان وغيره ، فحينئذ لفظ الوارث مجمل لا يحل حمله على أحد هذه المعاني إلا بدليل ، مع أنه لا يصح الاستدلال بالآية على وجوب نفقة كل معسر على من يرثه من قرابته الموسرين ; لأن الكلام في الآية في رزق الزوجات وكسوتهن ; ولكنه يدل على المطلوب عموم " فلذي قرابتك " . قوله : ( تصدق به على ولدك ) فيه دليل على أنه يلزم الأب نفقة ولده المعسر فإن كان الولد صغيرا فذلك إجماع كما حكاه صاحب البحر ، وإن كان كبيرا فقيل : نفقته على الأب وحده دون الأم ، وقيل : عليهما حسب الإرث ويأتي بقية الكلام على نفقة الأقارب في باب النفقة على الأقارب [ ص: 382 ] قوله : ( تصدق به على خادمك ) فيه دليل على وجوب نفقة الخادم ، وسيأتي الكلام على ذلك في باب نفقة الرقيق قوله : ( بخمسة دنانير ذهبا ) قد قدمنا الكلام على هذا في الزكاة




                                                                                                                                            الخدمات العلمية