الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  بيان الأسباب المهيجة للغضب :

                                                                  قد عرفت أن علاج كل علة بحسم مادتها وإزالة أسبابها ، فلا بد من معرفة أسباب الغضب .

                                                                  وأسبابه المهيجة له هي : الزهو ، والعجب ، والمزاح ، والهزل ، والهزء ، والتعيير ، والمماراة ، والمضادة ، والغدر ، وشدة الحرص على حصول المال والجاه ، وهي بأجمعها أخلاق رديئة مذمومة شرعا ، ولا خلاص من الغضب مع بقاء هذه الأسباب ، فلا بد من إزالتها بأضدادها ، فينبغي أن تميت الزهو بالتواضع ، وتميت العجب بمعرفتك بنفسك ، وتزيل الفخر بأنك من جنس أقل مخلوق ، إذ الناس يجمعهم في الانتساب أب واحد ، وإنما الفخر بالفضائل ، والفخر والعجب أكبر الرذائل ، وأما المزاح فتزيله بالتشاغل بالمهمات الدينية التي تستوعب [ ص: 208 ] العمر وتفضل عنه ، وأما الهزل فتزيله بالجد في طلب الفضائل والأخلاق الحسنة ، والعلوم الدينية التي تبلغك إلى سعادة الآخرة ، وأما الهزء فتزيله بالتكرم على إيذاء الناس ، وبصيانة النفس عن أن يستهزأ بك ، وأما التعيير فبالحذر عن القول القبيح ، وصيانة النفس عن مر الجواب ، وأما شدة الحرص فبالصبر على مر العيش ، وبالقناعة بقدر الضرورة طلبا لعز الاستغناء ، وترفعا عن ذل الحاجة .

                                                                  وكل خلق من هذه الأخلاق وصفة من هذه الصفات يفتقر في علاجه إلى رياضة وتحمل ومشقة ، وحاصل رياضتها الرجوع إلى معرفة غوائلها ؛ لترغب النفس عنها ، وتنفر عن قبحها ، ثم المواظبة على مواظبة أضدادها مدة مديدة حتى تصير بالعادة هينة مألوفة على النفس ، فإذا انمحت عن النفس فقد زكت وتطهرت عن هذه الرذائل ، وتخلصت أيضا من الغضب الذي يتولد منها .

                                                                  وأشد البواعث للغضب عند أكثر الجهال تسميتهم الغضب شجاعة وعزة نفس ، حتى تميل النفس إليه وتستحسنه ، وهذا من الجهل ، بل هو مرض قلب ونقصان عقل ، ويعالج هذا الجاهل بأن تتلى عليه حكايات أهل الحلم والعفو ، وما استحسن منهم من كظم الغيظ ، فإن ذلك منقول عن الأنبياء والعلماء .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية