الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
55 حدثنا محمد بن عباد المكي حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان قال قلت لسهيل إن nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرا حدثنا عن القعقاع عن nindex.php?page=showalam&ids=12045أبيك قال ورجوت أن يسقط عني رجلا قال فقال سمعته من الذي سمعه منه أبي كان صديقا له بالشام ثم حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان عن nindex.php?page=showalam&ids=16068سهيل عن عطاء بن يزيد عن nindex.php?page=showalam&ids=155تميم الداري nindex.php?page=hadith&LINKID=657090أن النبي صلى الله عليه وسلم قال nindex.php?page=treesubj&link=24906_33685_18985_32125_28328_18628_18633_24661_28683_32485_7701_18064_22838_33522_18288_30237الدين النصيحة قلنا لمن قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم حدثني nindex.php?page=showalam&ids=14529محمد بن حاتم حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16349ابن مهدي حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان عن nindex.php?page=showalam&ids=16068سهيل بن أبي صالح عن عطاء بن يزيد الليثي عن nindex.php?page=showalam&ids=155تميم الداري عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله وحدثني nindex.php?page=showalam&ids=12330أمية بن بسطام حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17360يزيد يعني ابن زريع حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15899روح وهو ابن القاسم حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16068سهيل عن عطاء بن يزيد سمعه وهو يحدث أبا صالح عن nindex.php?page=showalam&ids=155تميم الداري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثله
فيه ( عن nindex.php?page=showalam&ids=155تميم الداري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=752515الدين النصيحة قلنا : لمن ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) هذا حديث عظيم الشأن وعليه مدار الإسلام كما سنذكره من شرحه . وأما ما قاله جماعات من العلماء أنه أحد أرباع الإسلام أي أحد الأحاديث الأربعة التي تجمع أمور الإسلام فليس كما قالوه ، بل المدار على هذا وحده . وهذا الحديث من أفراد مسلم ، وليس nindex.php?page=showalam&ids=155لتميم الداري في صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء ، ولا له في مسلم عنه غير هذا الحديث . وقد تقدم في آخر مقدمة الكتاب بيان الاختلاف في نسبة تميم وأنه داري أو ديري .
وأما شرح هذا الحديث فقال الإمام أبو سليمان الخطابي - رحمه الله - : nindex.php?page=treesubj&link=18245النصيحة كلمة جامعة معناها حيازة الحظ للمنصوح له . قال : ويقال : هو من وجيز الأسماء ، ومختصر الكلام ، وليس في كلام العرب كلمة مفردة يستوفى بها العبارة عن معنى هذه الكلمة . كما قالوا في الفلاح ليس في كلام العرب كلمة أجمع لخير الدنيا والآخرة منه . قال : وقيل : النصيحة مأخوذة من نصح الرجل ثوبه إذا خاطه . فشبهوا فعل الناصح فيما يتحراه من صلاح المنصوح له بما يسده من خلل الثوب . قال : [ ص: 229 ] وقيل : إنها مأخوذة من نصحت العسل إذا صفيته من الشمع ، شبهوا تخليص القول من الغش بتخليص العسل من الخلط . قال : ومعنى الحديث : عماد الدين وقوامه النصيحة . كقوله : nindex.php?page=hadith&LINKID=753034الحج عرفة أي عماده ومعظمه عرفة . وأما تفسير nindex.php?page=treesubj&link=18243النصيحة وأنواعها فقد ذكر nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي وغيره من العلماء فيها كلاما نفيسا أنا أضم بعضه إلى بعض مختصرا . قالوا : أما nindex.php?page=treesubj&link=18264_18265_18266_18267_18268_18269_18270_18271_18272_18273_18274النصيحة لله تعالى فمعناها منصرف إلى الإيمان به ، ونفي الشريك عنه ، وترك الإلحاد في صفاته ووصفه بصفات الكمال والجلال كلها ، وتنزيهه سبحانه وتعالى من جميع النقائص ، والقيام بطاعته ، واجتناب معصيته ، والحب فيه ، والبغض فيه ، وموالاة من أطاعه ، ومعاداة من عصاه ، وجهاد من كفر به ، والاعتراف بنعمته ، وشكره عليها ، والإخلاص في جميع الأمور ، والدعاء إلى جميع الأوصاف المذكورة ، والحث عليها ، والتلطف في جميع الناس ، أو من أمكن منهم عليها . قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي رحمه الله : وحقيقة هذه الإضافة راجعة إلى العبد في نصحه نفسه ، فالله تعالى غني عن نصح الناصح . وأماnindex.php?page=treesubj&link=28424النصيحة لكتابه سبحانه وتعالى فالإيمان بأنه كلام الله تعالى وتنزيله ، لا يشبهه شيء من كلام الخلق ، ولا يقدر على مثله أحد من الخلق ، ثم تعظيمه وتلاوته حق تلاوته ، وتحسينها والخشوع عندها ، وإقامة حروفه في التلاوة ، والذب عنه لتأويل المحرفين وتعرض الطاعنين ، والتصديق بما فيه ، والوقوف مع أحكامه ، وتفهم علومه وأمثاله ، والاعتبار بمواعظه ، والتفكر في عجائبه ، والعمل بمحكمه ، والتسليم لمتشابهه ، والبحث عن عمومه وخصوصه وناسخه ومنسوخه ، ونشر علومه ، والدعاء إليه وإلى ما ذكرنا من نصيحته .
وأما nindex.php?page=treesubj&link=18276_18277_18278_18279_18280_18281_18282_18283_18284_18285_18286النصيحة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتصديقه على الرسالة ، والإيمان بجميع ما جاء به ، وطاعته في أمره ونهيه ، ونصرته حيا وميتا ، ومعاداة من عاداه ، وموالاة من والاه ، وإعظام حقه ، وتوقيره ، وإحياء طريقته وسنته ، وبث دعوته ، ونشر شريعته ، ونفي التهمة عنها ، واستثارة علومها ، والتفقه في معانيها ، والدعاء إليها ، والتلطف في تعلمها وتعليمها ، وإعظامها ، وإجلالها ، والتأدب عند قراءتها ، والإمساك عن الكلام فيها بغير علم ، وإجلال أهلها لانتسابهم إليها ، والتخلق بأخلاقه ، والتأدب بآدابه ، ومحبة أهل بيته وأصحابه ، ومجانبة من ابتدع في سنته ، أو تعرض لأحد من أصحابه ، ونحو ذلك .
وأما nindex.php?page=treesubj&link=18289_18290_18291_18292_18293_18294_18295_18296_18297_18298النصيحة لأئمة المسلمين فمعاونتهم على الحق ، وطاعتهم فيه ، وأمرهم به ، وتنبيههم وتذكيرهم برفق ولطف ، وإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين ، وترك الخروج عليهم ، وتألف قلوب الناس لطاعتهم . قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي - رحمه الله - : nindex.php?page=treesubj&link=18294_18295ومن النصيحة لهم الصلاة خلفهم ، والجهاد معهم ، وأداء الصدقات إليهم ، وترك الخروج بالسيف عليهم إذا ظهر منهم حيف أو سوء عشرة ، وأن لا يغروا بالثناء الكاذب عليهم ، وأن يدعى لهم بالصلاح . وهذا كله على أن المراد بأئمة المسلمين الخلفاء وغيرهم ممن يقوم بأمور المسلمين من أصحاب الولايات . وهذا هو المشهور . وحكاه أيضا nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي . ثم قال : وقد يتأول ذلك على الأئمة الذين هم علماء الدين ، وأن من نصيحتهم قبول ما رووه ، وتقليدهم في الأحكام ، وإحسان الظن بهم .
وأما nindex.php?page=treesubj&link=18300_18301_18302_18303_18304_18305_18306_18307_18308_18309_18310نصيحة عامة المسلمين وهم من عدا ولاة الأمر فإرشادهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم ، وكف الأذى عنهم فيعلمهم ما يجهلونه من دينهم ، ويعينهم عليه بالقول والفعل ، وستر عوراتهم ، وسد خلاتهم ، ودفع المضار عنهم ، وجلب [ ص: 230 ] المنافع لهم ، وأمرهم بالمعروف ، ونهيهم عن المنكر برفق وإخلاص ، والشفقة عليهم ، وتوقير كبيرهم ، ورحمة صغيرهم ، وتخولهم بالموعظة الحسنة ، وترك غشهم وحسدهم ، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه من الخير ، ويكره لهم ما يكره لنفسه من المكروه ، والذب عن أموالهم وأعراضهم ، وغير ذلك من أحوالهم بالقول والفعل ، وحثهم على التخلق بجميع ما ذكرناه من أنواع النصيحة ، وتنشيط همهم إلى الطاعات . وقد كان في السلف - رضي الله عنهم - من تبلغ به النصيحة إلى الإضرار بدنياه . والله أعلم .
هذا آخر ما تلخص في nindex.php?page=treesubj&link=18245تفسير النصيحة . قال ابن بطال - رحمه الله - في هذا الحديث : أن النصيحة تسمى دينا وإسلاما وأن الدين يقع على العمل كما يقع على القول . قال : nindex.php?page=treesubj&link=18246والنصيحة فرض يجزي فيه من قام به ، ويسقط عن الباقين . قال : nindex.php?page=treesubj&link=18246والنصيحة لازمة على قدر الطاقة إذا علم الناصح أنه يقبل نصحه ، ويطاع أمره ، وأمن على نفسه المكروه . فإن خشي على نفسه أذى فهو في سعة . والله أعلم .
وأما حديث جرير - رضي الله عنه - nindex.php?page=hadith&LINKID=3504373 ( قال : بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم ) وفي الرواية الأخرى : ( على السمع والطاعة فلقنني فيما استطعت ) وإنما اقتصر على الصلاة والزكاة لكونهما قرينتين ، وهما أهم أركان الإسلام بعد الشهادتين ، وأظهرها . ولم يذكر الصوم وغيره لدخولها في السمع والطاعة .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فيما استطعت ) موافق لقوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286لا يكلف الله نفسا إلا وسعها والرواية ( استطعت ) بفتح التاء . وتلقينه من كمال شفقته - صلى الله عليه وسلم - إذ قد يعجز في بعض الأحوال . فلو لم يقيده بما استطاع لأخل بما التزم في بعض الأحوال . والله أعلم .
ومما يتعلق بحديث جرير منقبة ومكرمة لجرير - رضي الله عنه - رواها الحافظ nindex.php?page=showalam&ids=14687أبو القاسم الطبراني بإسناده . اختصارها : أن جريرا أمر مولاه أن يشتري له فرسا فاشترى له فرسا بثلثمائة درهم ، وجاء به وبصاحبه لينقده الثمن ، فقال جرير لصاحب الفرس : فرسك خير من ثلاثمائة درهم . أتبيعه بأربعمائة درهم ؟ قال ذلك إليك يا أبا عبد الله . فقال : فرسك خير من ذلك . أتبيعه بخمسمائة درهم ؟ ثم لم يزل يزيده مائة ، فمائة ، وصاحبه يرضى ، وجرير يقول : فرسك خير إلى أن بلغ ثمانمائة درهم . فاشتراه بها . فقيل له في ذلك ، فقال : إني بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على النصح لكل مسلم . والله أعلم .
وأما ما يتعلق بأسانيد الباب ففيه أمية بن بسطام وقد قدمنا في المقدمة الخلاف في أنه هل [ ص: 231 ] يصرف أو لا يصرف ؟ وفي أن الباء مكسورة على المشهور ، وأن صاحب المطالع حكى أيضا فتحها .
وفيه nindex.php?page=showalam&ids=15939زياد بن علاقة بكسر العين وبالقاف . وفيه nindex.php?page=showalam&ids=15972سريج بن يونس بالسين المهملة وبالجيم . وفيه الدورقي بفتح الدال ، وقد تقدم في المقدمة بيان هذه النسبة . والله أعلم .
وأما قول مسلم : ( حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16421عبد الله بن نمير وأبو أسامة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن جرير ) فهذا إسناد كله كوفيون .
وأما قوله : ( حدثنا سريج ويعقوب قالا : حدثنا هشيم عن سيار عن الشعبي عن جرير ) ، ثم قال مسلم في آخره : ( قال يعقوب في روايته : حدثنا سيار ) ففيه تنبيه على لطيفة وهي أن هشيما مدلس وقد قال ( عن ) سيار والمدلس : إذا قال : ( عن ) ، لا يحتج به إلا إن ثبت سماعه من جهة أخرى . فروى مسلم - رحمه الله - حديثه هذا عن شيخين وهما سريج ويعقوب .
فأما سريج فقال حدثنا هشيم عن سيار . وأما يعقوب فقال : حدثنا هشيم قال : حدثنا سيار . فبين مسلم - رحمه الله - اختلاف عبارة الراويين في نقلهما عبارته ، وحصل منهما اتصال حديثه ، ولم يقتصر مسلم - رحمه الله - على إحدى الروايتين . وهذا من عظيم إتقانه ، ودقيق نظره ، وحسن احتياطه - رضي الله عنه - . وسيار بتقديم السين على الياء . والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب .